صراع الثورة الاسلامية مع أعداء الوحدة الاسلامية

الجمعة 1 ديسمبر 2017 - 14:45 بتوقيت مكة
صراع الثورة الاسلامية مع أعداء الوحدة الاسلامية

لعـل‌ محور(الوحدة الاسلامية)يشكل احد اهم المحاور التي دار عليها الصراع المحتدم بين‌ الثـورة‌ الاسـلامية‌ فـي ايران و اعدائها الذين يشكلون مجمل الكفر العالمي بكل أوجهته الشرقية و الغربية و عملائه الدوليين و المحليين‌.

آية الله الشيخ محمد علي التسخيري**

‌‌‌لعـل‌ محور(الوحدة الاسلامية)يشكل احد اهم المحاور التي دار عليها الصراع المحتدم بين‌ الثـورة‌ الاسـلامية‌ فـي ايران و اعدائها الذين يشكلون مجمل الكفر العالمي بكل أوجهته الشرقية و الغربية و عملائه الدوليين و المحليين‌.

و ان دل ذلك عـلى شي‌ء فانما يدل على ادراك طرفي الصراع بكل وضوح‌ أهمية هذا المحور.فالثورة‌ الاسـلامية‌ تدرك تماما ان اسلامها يـركز عـلى هذه الخصيصة و يعتبرها منحة الهية لا تقدر بثمن و لا تقدر ثروات الارض على تحقيقها بشكل قهري و انما هي من الطاف اللّه جل و علا{لو انفقت‌ ما في الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم و لكن اللّه الف بينهم}

و تدرك ايـضا ان الوحدة هي السلاح المواجه لاتحاد الكفر على الباطل، فاذا لم يتحقق هذا الامر في وجود الامة‌ انجرت‌ بشكل طبيعي الى الفتنه و الفساد الكبيرين.{و الذين كفروا بعضهم اولياء بعض الا تفعلوه تكن فتنة في الارض و فـساد كـبير}،و هي تؤمن اشد‌ الايمان‌ من جهة اخرى أن امتنا الاسلامية لن تسترجع خصائصها الحضارية ما لم تتمتع بهذه الصفة بكل عمق، و انها ما لم تحقق تـلك الخـصائص فهي باقية على تخلفها المقيت و يبعدها‌ عن‌ تحقيق الاهداف العليا.

و هذه الامور يدركها العدو الكافر للثورة و لكن من زاوية مصالحه الجشعة، فهو يلحظ ان الثورة الاسلامية اذا نجحت في تأصيل هـذه الحـقيقة الكبرى، فان آماله ستذهب‌ ادراج‌ الرياح‌ بل و سيواجه قدرة عظمى لا‌ قبل‌ له‌ بها، قدرة تملك عشرات الموانئ الاستراتيجية و مئات الملايين من العقول الفاعلة و الايدي العاملة النشطة و الشطر الاكبر مـن الثـروات الارضـية و فوق كل‌ ذلك‌ امة‌ تـمتلك أطـروحة حـياتية واسعة الابعاد و قوية التخطيط شاملة‌ لكل‌ جوانب الحياة مؤهله تماما لتكون البديل الاروع لحضارته المهزوزة و المليئة بالرعب و التحلل و القلق و الجشع و الحيوانية المـقيتة و كـلها أمـور تجافي‌ الطبع‌ قبل‌ ان تجافي العقل السليم.

و يشتد قـلقه تـماما عند ما يتصور‌ الامة الاسلامية حاملة تلك الرسالة و قد تأصلت فيها المفاهيم الرسالية فراحت تنظر للحياة نظرة مرحلية و للشـهادة نـظرة تـقديس‌ و للجنة‌ نظرة‌ أمل و للتاريخ مسرحا حضاريا لخط الانبياء و أي انحراف عـن هذا الخط‌ يعني‌ الانحراف عن خط الفطرة الصاعد.

ان هذا كله ليرعب الكفر و يدعوه للتأمل مرات و مرات في اسـاسه‌ و مـقومه‌ و هـو‌ الوحدة الاسلامية. من هنا قلنا انه يدرك خطورة هذا الاساس فـيلجأ لطـرح‌ كل‌ وسائله‌ الشيطانية لتقويضه بشتى الاساليب. و هنا بالضبط يحتدم الصراع بين الثورة باعتبارها رائدة الوحدة الاسلامية‌ و اعـدائها‌ بـاعتبارهم‌ المـتضرر الاكبر.ذلك ان العدو الكافر لاحظ الاصرار الثوري المجاهد على دعم خط الوحدة‌ الاسـلامية‌ فـي كـل خطوات الثورة و بشتي الاساليب الممكنة فراح يعمل على افشال كل الخطط‌. و نستطيع‌ ان‌ نـدرك سـعة الخـطوات الثورية على طريق الوحدة اذا لاحظنا الامور التالية:

أولا:طرحت الجمهورية‌ الاسلامية‌ شعار الوحدة الاسلامية بـكل قـوة و اعلنت انه شعار استراتيجي نابع من صميم العقيدة‌ و هي‌ اساس‌ البناء الاجتماعي لديـها ،و تـطبيقا لذلك اعـلنت عن اسبوع الوحدة لتؤكد ذلك من خلال الاجتماعات و اللقاءات‌ و البرامج‌ المتنوعة لايجاد الجو المناسب الذي تـتلاقي فـيه الافئدة و يتعرف فيه الاخوة على‌ الحقيقة‌ الوحدوية‌ التي تضمهم جميعا.

ثانيا:عملت عـلى الصـعيد العـملي-على تنفيذ هذا الشعار في قوانينها و سلوكها‌ العملي‌ فنظرت‌ للمواطنين بعين واحدة و اعلنت ان لكل مـذهب اسـلامي الحرية الكاملة في تطبيق‌ ارائه‌ على اتباعه و لهؤلاء الاتباع الحق في التـحاكم الى مـحاكم تـعتمد تلك المذاهب و منحت الجميع فرض التعاون‌ و التكافل‌ لبناء الدولة الاسلامية. و اعلنت حرية الثقافة الاسلامية غير المـخلة بـالوحدة و بـالخلق العفيف‌.

ثالثا‌:جاءت فكرة قيادة الفقيه العادل كاحدى اروع‌ الافكار‌ الوحدوية‌. ذلك ان القـيادة و الامـامة هي عماد الحياة‌ الاجتماعية‌ و هي السلك الذي ينظم كل شعب تلك الحياة و لما كان المجتمع الاسلامي مـجتمعا‌ ايـديولوجيا‌ فإن من الطبيعي ان يسلم‌ قيادته‌ للفقيه الضالع في‌ الشؤون‌ الاسلامية و العادل العـامل بـتعاليمه كملكة متأصلة‌ في‌ النفس.

و مسألة اشتراط الفـقه فـي القـائد مسألة يقود اليها الطبع الفطري السليم‌ و تـؤكدها‌ فـتاوى علماء المسلمين من جميع الفرق‌ على اختلاف في المستوى الفقهي‌ و في نوع الاشـتراط و لكـنها على‌ اي‌ حال مسلمة اجـمالا لدى الجـميع و بها تـصان القـيادة مـن الانحراف.

ان فكرة ولاية‌ الفقيه‌ اوجدت حـسا و حـدويا رائعا و دفعت‌ الكثير‌ من‌ العلماء المسلمين للرجوع‌ الى‌ مبدأ الدولة الاسلامية العالمية‌ الواحـدة‌ و اعـلان بيعتهم للامام القائد الراحل و للولي الفقيه القـائد اية اللّه الخامنئي باعتباره وليـا لأمـر‌ المسلمين‌، و لذلك بلا ريب مردود و حـدوي عـظيم‌.

رابعا‌:و لقد كان‌ للثورة‌ الاسلامية‌ أثرها العظيم في ايجاد‌ صحوة اسلامية شاملة فـي كـل ارجاء العالم الاسلامي و انبعاث ظـواهر هـذه الصـحوة مما يقلق بـال‌ المـستكبرين‌ و يقض مضاجعهم.

فهذا الامـل الكـبير بالمستقبل‌ الاسلامي‌ المشرق‌ الذي‌ يحكم‌ فيه القرآن و هذا‌ الاصرار‌ الدائب على اعلان الشخصية المسلمة و الاعـتزاز بـها و هذه الدعوات المتتالية هنا و هناك لتـطبيق الشـريعة الاسلامية عـلى‌ كـل‌ مـرافق‌ الحياة و هذه المظاهر الاخـلاقية الاسلامية المعروفة كالالتزام‌ بالحجاب‌ و نفي‌ التحلل‌ و نبذ‌ المحرمات‌ و تطبيق الشعائر الاسلامية تعود الى‌ عالمنا الاسـلامي هـنا و هناك و تشكل في بعض الاماكن مـعالم للتـحري الاسـلامي الصـارخ لنـمط الحياة الغربية المـنحرفة.

و هـذه العودة القوية التي دعت لها‌ الثورة الاسلامية لدور العلماء في قيادة المجتمع و تسلم دور الوريث للانبياء، كما جـاء فـي الحـديث المعروف ، هذه العودة كان لها أثرها الكـبير فـي تـكوين حـس اسـلامي عـام مشترك بوحدة هذه‌ الامة‌ و تلاحمها.

خامسا: و كان نجاح الثورة الاسلامية في تحطيم احد النظم الطاغوتية المتجبرة و تحديها لكل القوي الكبرى المتجمعة ضدها و وقوفها الى جانب قضايا المستضعفين و المـحرومين و دعوتها للعودة للاصالة الاسلامية ، الدور‌ الكبير‌ في افشال كل الطروحات المادية الممزقة لشخصية هذه الامة كالطروحات القومية الضيقة، و اليسارية المستوردة، و الحزبية الليبرالية الغربية، و تهافت تلك الشعارات البراقة التي كانت‌ ترفعها‌ هـذه الطـروحات في حين لا‌ تعود‌ على الامة الا بالوبال.

ان تمزق هذه الطروحات و انكشاف فشلها تميز مسيرة الوحدة الاسلامية و تؤكد ان الخلاص الحقيقي من وضعنا المأساوي لا يتم الا‌ بالاسلام‌ وحده و هي من اروع‌ الافكار‌ الوحـدوية.

سـادسا:طرحت الثورة الاسلامية شعار الحل الاسلامي الوحيد نافية الحلول الشرقية و الغربية للمشكلات الاجتماعية و عملت بكل قوة على تآصيل سياسة تخرج عن دوامة التـبعية الذيـلية للمعسكرين العملاقين، الأمر الذي‌ جـعل‌ المـفكرين العالميين من جهة و كل المخلصين الاسلاميين من جهة اخرى يؤمنون بامكان هذا السبيل بشكل واقعي ،لا مخادع كاذب كما حصل في قضية دول عدم الانحياز فـي حـين يعيث فيها‌ الانحياز‌ فـسادا.

ان تقديم هذا النموذج الحي الواقعي ساهم اكبر المساهمة على ايجاد اجواء الوحدة الاسلامية على طريق اللّه تعالى و هو الصراط المستقيم و سنن الحق دون جواد المضلة.

سابعا:اصرت الثورة‌ الاسلامية‌ على لزوم اعادة الدور الحـقيقي للشـعائر الاسلامية كصلاة الجمعة و الحج باعتبارها من اكبر المجالات المحققة للاحساس المهتمين بوحدة‌ ‌‌هذه‌ الأمة في توجهاتها الحضارية و سلوكياتها العملية و حتى في ما تتحكم به و تتزين به‌ في‌ سلوكها‌ الفردي.

إن الحـج مـثلا يعلن وحـدة خط الانبياء عبر التاريخ حول مسألتي (العبودية للّه، و اجتناب‌ الطاغوت).و ذلك بشتى الاساليب التي تتناسق فيما بينها لتؤكد هـذا المضمون الوحدوي العظيم‌.

هذه هي حقيقة الحج‌ التي‌ ارادت الثورة ان تظهر نـاصعة فـي حـياة المسلمين و اراد اعداء هذه الامة و عملاؤهم ان تتحول الى طقوس جوفاء بعيدة عن هذا الهدف الكبير.

و من الامور التي ركزت ‌ ‌عـليها الثورة مسألة احياء‌ الذكريات الاسلامية كذكرى ولادة الرسول(ص)و المعراج و البعثة باعتبارها معالم تاريخية شـاهدة عـلى ارتـباط الامة بشخصية الرسول الموحدة لهذه الامة. و ما تركز الثورة الاسلامية على لزوم التمسك بالقرآن الكريم و العـترة الطاهرة-و ذلك‌ ما‌ اكدته الاحاديث الكثيرة، و ذكر به الامام الخميني القائد رحمة اللّه عـليه في وصيته الالهية السـياسية- نـعم ما تركيزها الا تطبيق لدعوة القرآن الكريم للاعتصام بحبل اللّه جميعا و توعية للاسس السليمة‌ التي‌ يجب ان تقوم عليه الوحدة الاسلامية الحقيقية.

ثامنا:ان من اهم الخطوات التي خطتها الثورة لتعميق الخط الوحدوي الاسلامي تـاكيدها المضاعف على لزوم تجميع الامة حول القضايا المصيرية لها‌ و دفعها‌ لاختيار الحل الاسلامي باعتبار السبيل الوحيد للخلاص و ذلك من قبيل تاكيدها الشديد على الحل الاسلامي للقضية الفلسطينية و فشل كل الحلول الاخرى و التركيز عـلى ان اسـرائيل يجب ان تزول و لا‌ طريق‌ لذلك‌ الا طريق السلاح الذي يحمله‌ المسلمون‌ ضد‌ اعدائهم منطلقين من مبدأ الجهاد و التضحية و الشهادة في سبيل الاهداف العليا و هكذا نجد المواقف المشابهة للثورة الاسلامية من قضية لبنان و افـغانستان‌ و غـيرها‌ من‌ القضايا الكبرى.

تاسعا:و يمكننا ان نعد الكثير من‌ المواقف‌ الرسالية الحاسمة التي وقفتها الثورة فكانت بذلك داعية لتجميع المسلمين حولها و مكونة لموقف اسلامي عام.

و من تلك المواقف موقفها‌ مـن‌ قـضية‌ الاعتداء على المسلمين في الهند، و قضية المسلمين في الفلبين، و قضايا‌ محاربة المظاهر الاسلامية في تركيا.

الا ان موقف الامام القائد الخميني رحمة اللّه عليه من قضية الهجوم الثقافي الكافر‌ على مقدسات‌ الامة الاسـلامية و التـحريف بـحق الرسول العظيم‌ و اصحابه المنتجبين و زوجـاته الطـاهرات و الكـتاب‌ الكريم‌ و التي تمثلت في الكتاب الساقط للمرتد المجرم سلمان رشدي، هذا الموقف استطاع ان يوقظ الامة ضد‌ مؤامرات‌ اعدائها‌ و يؤخذ موقفها بـشكل يـقل مـثيله في تاريخها الطويل، الامر الذي دفع الدول‌ الاسلامية‌ رغم‌ ارتـباط الكـثير من مصالحها بالغرب الكافر لان تصدر اعلانها المشهور ضد الغرب و هجومه الكافر‌ اللئيم‌. كل‌ هذه الخطوات اقضت مضاجع الاستكبار العـالمي الامـر الذي دفـعه للتخطيط اللئيم لافشال هذه الخطط‌ الوحدوية‌ فماذا فعل؟

التآمر الاستعماري عـلى الثورة و الوحدة:

و الواقع اننا لا نستطيع إن نحصي الخطط‌ الكثيرة‌ التي‌ نفذها الكفر العالمي لمواجهة خطط الثورة الاسلامية لتحقيق حـلم الوحـدة الاسـلامية ذلك ان الطاقات‌ الاستعمارية‌ هائلة و التخطيط الاستكباري ذكي و واسع يستخدم مختلف العناصر لتـحقيق مـاربه اللئيمة .الا اننا‌ نشير‌ الى‌ بعض النماذج التي توضح سعة ذلك التخطيط و هي على النحو التالي.

اولا:قام الاسـطول الاعـلامي‌ الاسـتكباري‌ بشن حملة تشويه للثورة و صورتها و صورة قائدها الكبير و سياستها الواضحة و ذلك لتحقيق‌ الكـثير‌ مـن‌ الاهـداف التي منها ارباك الوضع الداخلي لاقعادها عن النهوض بالمهمة الاسلامية العالمية الواسعة الابعاد.

كـما‌ أن‌ مـنها‌ ايجاد الهوة السحيقة بينها و بين جماهيرها الاسلامية المتلهفة عبر اقناع هذه الجماهير‌ بأن‌ التـجربة تـجربة فاشلة و لا يمكنها ان تقدم النموذج الحضاري المطلوب، او انها تجربة لها حدودها الاقليمية‌ و لا‌ يمكن اتـباعها و اعـادة تـطبيقها في ظروف اخرى نظر للاختلافات المذهبية و غيرها و بهذا‌ استطاع‌ الاعلام ان يقنع بعض ضعاف النـفوس و يـسخر‌ لصالحه‌ بعض‌ وعاظ السلاطين مستغلا الاموال الحرام التي تبذل‌ لتشويه‌ الحقيقة الناصعة. و لن نـستطيع فـي هـذه العجالة ان نشير حتى الى بعض النماذج‌ الهزيلة‌ لهذا التشويه و لعل كل مسلم‌ واع‌ اليوم يدرك‌ هـذه‌ الابـعاد‌ بكل وضوح.

ثانيا:قام الاستكبار و عملاؤه‌ بافتعال‌ كثير من انماط الاشباع الكـاذب لعـطش الجـماهير الاسلامية للوحدة الاسلامية و الخلاص من‌‌ المشاكل‌ ثم لا تنقضي مدة حتى تشعر‌ هذه الجماهير بسخف تـلك‌ المـحاولات‌ و انـها لم توجد الا لتركز‌ اليأس‌. حيث اعلن بعض الحكام عن‌ عملهم‌ علي‌ تطبيق الشريعة الاسلامية‌ مباشرة‌ و راح البـعض يـطلب من‌ المجامع‌ العلمية وضع دساتير لتطبيق الشريعة في حين اعلنت بعض الحـكومات الاسـلامية عن تدرجها في‌ تطبيق‌ الشريعة و قامت بـبعض الخـطوات السـطحية. و لم‌ تمض‌ مدة على‌ ذلك‌ حتى‌ اكـتشفت جـماهير امتنا الاسلامية‌ زيف كل تلك الاساليب بل و تآمرها علي القضية. فلم تفد تـلك الاعـلانات الا  مهزلة يتندر بها‌ الشعب‌ ليـنفس عـن يأسه.

ثـالثا:و كـانت مـسألة‌ طرح‌ الخلاف‌ بين‌ المسلمين‌ من خـلال كـتب‌ صفراء‌ مهرجة تنبش الماضي السحيق و تتبع العثرات و الفتاوى الفردية، و الآراء التي القيت فـي ظـروف خاصة، و الكتيبات المؤلفة‌ للتعبير‌ عن‌ حـالة نفسية عاشها المؤلف فـي فـترة من‌ الفترات‌ و الروايات‌ الضعيفة‌، و المـتناثرة‌ فـي‌ الكتب الروائية بل و تحريف مدلول بعض هذه الروايات، و اقتطاع جزء من الكلام و عـرضه عـلى انه كلام كامل تم التـشهير لصـاحبه، حـتى وجدنا من يـعمد الى بـعض القواعد‌ الاصولية التي لهـا مـساحة عمل خاصه بها ليجعلها من اصول المذهب ثم ليشنع بها على اصحابه. و هكذا ارتـضى اصـحاب هذه الحرفة القاتلة الممزقة لوحدة الامـة ان يـتم التشكيك فـي القـرآن‌ الكـريم‌ و السنة الشريفة و التاريخ الاسـلامي، و ان تقوم المذابح بين المسلمين و يقوى معسكر الكفر المتربص، لا لشيئ الا لكي يدكوا الطرف الاخر و .هم يـقدمون دون شـك اكبر خدمة لاعداء الإسلام-عن‌ قصد أو غير قصد- و قـد اعـتمد هـذا الخط الخبيث عـلى عـناصر نفسية، و امكانات مالية و اعلامية واسعة و نقاط ضعف تلوح بشكل طبيعي في مسيرة كل‌ مذهب‌ من خـلال مـا يـقبله من‌ روايات‌ و ما يقدمه للتاريخ من ابـطال و رجـال و مـا يـنتهي اليـه مـن آراء و حينئذ نجد العناصر الجاهلة او المتعصبة أو المغرضة المآجورة تستفيد من تلك الامكانات‌ المالية‌ و النفطية الهائلة لتنبش القبور‌ و استعراض‌ الاراء و اكتشاف نقاط الضعف تم نسبتها اولا الي مجمل المذهب ثم القيام بـحملة تشهير واسعة.

و انا لنذكر كيف سأل أحدهم احد المسؤولين الدينيين عن فرية ألصقت بالشيعة باعتبارهم يرون وقوع‌ خطأ‌ لدى جبرئيل الامين (و العياذ باللّه)عند تبليغ الرسالة فاجاب هذا المسؤول بسخف هـذه التـهمة و ان الامام علي(ع)يتشرف بان يكون تلميذ رسول اللّه(ص) فنشر الشخص السائل بحثا يتهم به التشيع‌ بشتى‌ التهم(بوحي‌ من اسياده عملاء كمب ديفيد)و اعلن ان هذا المسؤول الديني قد كذب الشـيعه فـي رأيهم الانف!!

و هكذا‌ اذن جعل التهمة من المسلمات و اعتبر التكذيب المسؤول اعتراضا على التشيع‌ لا‌ نفيا‌ للتهمة عنه و ذلك ديدن المغرضين .و امامنا مكتبات العالم الاسلامي و هـي تـعج بهذه الكتب الصفراء و بافضل الطـبعات و بـكل ‌‌اللغات‌ الحية و بارخص الاثمان و كلها تصب في مصب تمزيق الوحدة الاسلامية و على اغلفتها عبارة‌ جامعة‌ تقول‌ (طبع علي نفقه جماعة من المؤمنين دفاعا عـن الديـن الحنيف و يوزع مجانا قـربة الى اللّه‌!!)

و امامنا-و نحن نكتب هذا المقال -قائمة طويلة من الكتب التي حملت على عاتقها‌ مسؤولية التمزيق و اخرى نهضت‌ منافحة‌ مدافعة و ليس لنا في قبال ذلك الا ان نستعيذ باللّه من الشيطان الرجيم و نسترجع و نـسأل اللّه جـل و علا لهذه الأمة أن يحفظها من هذا الهذر و السخف الذي لا طائل تحته.

رابعا‌:و من جهة اخرى راينا دعما كبيرا للاتجاهات الممزقة بشكل عملي لوحدة الأمة فهناك نفخ متواصل في نار الاحقاد التـي عـفى عليها الزمـن بين العرب و الفرس و الترك، و هناك إحياء للتاريخ قبل الإسلام‌ كتاريخ‌ بابل و الفراعنة و الفينيقيين لتمزيق حبل الوصل القـائم بين المسلمين عبر تاريخهم المشترك و هناك صراع حتى الصفة الغالبة للفـكر وهي صـفة العروبة او صفة الإسلام . و هل امثال الكندي و ابن سينا هم‌ من‌ مفكري العرب ام من مفكري الإسلام و هذا تـغذية‌للاتـجاهات القومية المتطرفة و تعميق للحدود الوطنية!! الضيقة جدا.

**الأمين العالم السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية

 

 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 1 ديسمبر 2017 - 14:23 بتوقيت مكة