شاركوا هذا الخبر

رجُل الثورة الصامتة (القسم الثاني)

عاش الإمام الحسن ( عليه السلام ) في عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) سبع سنوات من عمره الشريف ، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغرّة عن شخصية الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).

رجُل الثورة الصامتة (القسم الثاني)

فاضل عباس

ثانياً : مواقف وتضحيات الإمام الحسن ( عليه السلام ) في أهمّ مراحل سيرته المباركة :

* في عهد جدّه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

عاش الإمام الحسن ( عليه السلام ) في عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) سبع سنوات من عمره الشريف ، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغرّة عن شخصية الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم ، الذي حباه به جدّه ، حينما قال له ـ حسبما روي ـ ( أشبهتَ خَلقي وخُلُقي ) .

فشِبهه ( عليه السلام ) لجدّه في الخَلق ، هو أمر واضح ، من ناحية التشابه بالملامح والمنطق ... أمّا شِبهه في الخُلُق يُعدّ وسام الجدارة لذلك المنصب الإلهي ، الذي هو وراثة وخلافة النبي الأعظم ( صلّى الله عليه وآلـه وسلّـم ) ، ثمّ وصيّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . نعم من هنا نعرف السرّ والهدف الذي يرمي إليه النبي الأعظم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في تأكيداته المتكررة ، تصريحاً ، وتلويحاً على ذلك الدَور الذي ينتظر الإمام الحسن وأخاه ( عليهما السلام ) ، وإلى المهمّات الجليّة التي يتمّ إعدادهما لها ، حتى يصرّح ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بأنّهما ( عليهما السلام ) ( إمامان قاما أو قعَدا ) (20) .

وروي أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أخبر بما يجري على الإمام الحسن ( عليه السلام ) من بعده ، فيقول : ( إنّ ابني هذا سيد ، وسيُصلِح الله على يديه بين فئتين عظيمتين ) (21) (**) .

وممّا يدخل في الحياة السياسية للإمام الحسن ( عليه السلام ) في عهد جدّه النبي ( صلّى الله عليه وآلـه وسلّـم ) ، قضية المباهلة مع علماء نصارى نجران الذين ناظروا رسول الله في عيسى ، فأقام عليهم الحجّة ، فلم يقبلوا... ثمّ اتّفقوا على المباهلة أمام الله ؛ ليجعلوا لعنة الله الخالدة على الكاذبين ، ففي اليوم المحدّد خرج إليهم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ومعه علي وفاطمة والحسنان ( عليهم السلام ) ، وأمام ذلك طلب نصارى نجران من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن يعفيهم من المباهلة ... (22) .

ب ـ في عهد الخلفاء الثلاثة :

في عهد أبي بكر

كان للإمام الحسن ( عليه السلام ) موقف هامّ مع أبي بكر ، حيث جاء إليه يوماً وهو يخطب على المنبر ، فقال له ( عليه السلام ) : ( انزل عن منبر أبي ) ، فأجابه أبو بكر : صدقت والله ، إنّه منبر أبيك ، لا منبـر أبـي ، فبعث علي ( عليه السلام ) إلى أبي بكر : ( إنّه غلام حدث ، وأنا لم آمره ، فقال أبو بكر إنّا لم نتّهمك ) (23) .

مع التأمّل في ردِّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أنا لم آمره ، أي أنّه لا يتضمّن أي إنكاراً على الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ولا إدانة لموقفه ، بل الإمام الحسن لا يحتاج إلى أمر ، فهو يدرك كلّ الأحداث التي عايَشها بفِكره الثاقب ، وإنّ عليه مسؤولية إبقاء حقّ أهل البيت ( عليهم السلام ) على حيويّتها في ضمير ووجدان الأُمّة .

في عهد عُمَر بن الخطّاب :

بعد قضية الشورى على النحو المعروف ، ودعوة عمَر بن الخطّاب للمرشَّحين ومخاطبته لهم قائلاً : ( وأحضروا معكم من شيوخ الأنصار ، وليس لهم من أمركم شيء ، وأحضِروا معكم الحسن بن علي ، وعبد الله بن عباس ، فإنّ لهما قرابة ، وأرجو لكم البركة في حضورهما ، وليس لهما من أمركم شيء ويحضر ابني عبد الله مستشاراً ، وليس له من الأمر شيء ... ) فحضر هؤلاء .

فبالنسبة لقبول الإمام الحسن ( عليه السلام ) للحضور في الشورى ، فهو كحضور علي ( عليه السلام ) فيها ... فكما أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد اشترك فيها من أجْل أن يضع علامة استفهام على رأي عُمَر ، الذي كان قد أظهره في أنّ النبوة والخلافة لا يجتمعان في بيت واحد أبداً ، بالإضافة إلى أنّه من أجل أن لا ينسى الناس قضيتهم .. كذلك فإنّ حضور الإمام الحسن ( عليه السلام ) في هذه المناسبة ، إنّما يعني انتزاع اعتراف من عُمَر بأنّه ممَّن يحقّ لهم المشاركة السياسية ، حتى في أعظم وأخطر قضية تواجهها الأُمّة (24) .

في عهد عثمان بن عفان

كان له ( عليه السلام ) مشاركات عدّة ، نذكر منها:

1 ـ مشاركته في الكثير من حروب الدفاع عن بيضة الإسلام ، وفي كثير من الفتوحات الإسلامية أيام خلافة عثمان ، منطلقاً من مقولة أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في رعاية مصلحة الإسلام العليا ، التي كرّرها في أكثر من موضع : ( والله لأسلمنّ ما سلِمت أمور المسلمين ، ولم يكن جَور إلاّ عليّ خاصّة ) .

وقد نقلت كتُب التاريخ ومرويّاته هذه الحقيقة ، وممّا جاء في العِبر لابن خلدون : ( وتطلّع المسلمون إلى البصرة والفتح متفائلين بوجود صغير الرسول وحبيبه يجاهد معهم ، وكانت الغزوة ناجحة وموفّقة كما يصفها المؤرّخون ، وعاد الحسن منها إلى مدينة جدّه وقلْبه مفعَم بالسرور ، وعلامة الارتياح بادية على وجهه الكريم ؛ لانتشار الإسلام في تلك البقعة من الأرض ) (25) .

2 ـ كان موقفه من خلافة عثمان وما آلت إليه هو موقف أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، معبِّراً فيه عن كامل الطاعة والالتزام بأوامره وتوجيهاته في تلك الفترة العصيبة والفتنة العمياء ، خصوصاً بعد أن ملّ المسلمون سياسة عثمان وعمّاله ، حيث إنّه بعد فشل كلّ المحاولات التي بذَلها المسلمون لإصلاح سياسة عثمان ، زحفوا إليه من جميع الأقطار ، ودخلوا في مفاوضات معه يطالبونه إمّا بإصلاح ما أفسده ، أو بالتخلّي عن السلطة .

وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وولَده الحسن ( عليه السلام ) وسيطَينِ بين الخليفة ، ووفود الأمصار في محاولة للإصلاح . إلاّ أنّ تدخّل مروان ونقْض كلّ ما أُبرم بين الطرفين من اتّفاقات ، فتعقّدت الأمور أخيراً ، وهاجمه الثوّار بتحريضٍ من عائشة وطلحة والزبير ، وقالت لهم عائشة : ( اقتلوا نعثلاً فقد كفر ) .

وأثناء ذلك أرسل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ كما يُذكر ـ ولَدَيه حَسَناً وحسيناً ؛ ليدفعا عن عثمان الثوار ، لدرجة أنّ الحسن ( عليه السلام ) قد أُصيب ببعض الجروح وهو يدافع عنه ، وذلك كما روى ابن كثير .

ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وولَدَيه ( عليهما السلام ) ، كانوا كغيرهم من خِيار الصحابة ناقمين على تصرّفات عثمان وعُمّاله ، ومع ذلك لم يبلغ بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) الحال إلى حدود الرضا بقتله والتحريض عليه ، بل وقف منه موقفاً سليماً وشريفاً (26) .

في عهد أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

في هذا العهد كان الإمام الحسن ( عليه السلام ) ظِلاًّ لأبيه ، في كلّ ما تتطلّبه مسألة الولاء لإمامة خليفة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وجندياً واعياً مطيعاً لكلّ أوامره ، ويشهد على ذلك مهمّاته في تلك الفترة والتي منها :

1 ـ دَوره في حرب الناكثين المعروفة بحرب الجَمَل ، وهي الحرب التي استعرت على إثر تمرّد طلحة والزبير في البصرة ، ورفعهما السلاح بوجه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقيادة عائشة ، فاحتاج الإمام علي ( عليه السلام ) إلى مساندة جماهير الكوفة للذَود عن الحقّ الذي يمثّله ، فاختار لهذه المهمّة

نجلَه الحسن ( عليه السلام ) ؛ وذلك لشحْذ هِمم أهل الكوفة ، وحمْلهم على دعم الموقف الإسلامي الأصيل .

فانطلق الإمام الحسن ( عليه السلام ) برِفقة عمار بن ياسر إلى الكوفة ، حاملاً كتاب علي ( عليه السلام ) إلى أبي موسى الأشعري عامله على الكوفة ، يبلّغه فيه باستغنائه عن خدماته ؛ بسبب تحريضه الناس على القعود عن نُصرة علي ( عليه السلام ) ، وقد نجح الإمام الحسن ( عليه السلام ) في استنفار الجماهير لنصرة الحقّ والذود عن الرسالة ، فخرج معه ( عليه السلام ) إلى البصرة اثنا عشر ألفاً كما جاء في بعض الروايات .

وشارك الإمام الحسن ( عليه السلام ) في هذه الحرب إلى جنب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وحمَل رايته وانتصر بها على الناكثين .

2 ـ دَوره في حرب القاسطين المعروف بحرب صفّين (27) : وهي حرب البُغاة التي قادها معاوية بن أبي سفيان خروجاً على خلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهكذا أيضاً كان دَور الحسن ( عليه السلام ) فيها كدَوره في حرب الجَمَل ، بل زاد عليه ، حيث قام بتعبئة المسلمين للجهاد وبذَل جهده ؛ لإحباط مؤامرة التحكيم والاحتجاج على المناوئين به ، بل وقد عبّر الإمام الحسن (عليه السلام) عن ولائه المطلق لأبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في محنته هذه ، مستخفّاً بإغراء البُغاة له بالخلافة دون أبيه ، وذلك حين عرَض عليه عبد الله بن عُمَر أن يخلع أباه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأن يتولّى هو بنفسه ( عليه السلام ) الأمر ، فأجابه الإمام الحسن ( عليه السلام ) ( كلاّ ، والله لا يكون ذلك أبداً ) .

وبعد النزاع الذي ساد جيش أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أثر قضية التحكيم في معركة صفين ، وانقسام الجيش بين مؤيّد ورافضٍ ، استطاع الإمام الحسن ( عليه السلام ) وبتكليفٍ من أبيه (عليه السلام) ، أن يحكي للقوم حقيقة الأمر في كون التحكيم فاسداً .

الهوامش :

20 ـ الإرشاد للمفيد ، ص 22 .

21 ـ أسد الغابة ، ج2 ، ص 13 .

(**) هنا أشارة لصلح الحسن مع معاوية مستقبلاً .

22 ـ المباهلة من البهلية ، أي اللعنة .

23 ـ تاريخ الخلفاء ، السيوطي ، ص 80 .

24 ـ الحياة السياسية للإمام الحسن ( عليه السلام ) سيد جعفر العاملي ، ص 125 ـ 126 .

25 ـ يراجع تاريخ الأمم والملوك ، ج5 ، ص 57 . والكامل لابن الأثير ج3 ، ص 109 . والفتوحات الإسلامية ، ج1 ، ص 175 .

26 ـ يراجع سيرة الأئمة الاثني عشر ، للحسني ، ج1 ، ص 485 ـ 486 .

27 ـ صفّين: اسم موضع على شاطئ الفرات ، حيث كان ميدان لحروب طاحنة بين الكوفة والشام .

 

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة