الدعاء مخّ العبادة

الجمعة 10 نوفمبر 2017 - 14:16 بتوقيت مكة
الدعاء مخّ العبادة

قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾

السيد عادل العلوي

قال الله الحكيم في محكم كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[1].

لا يخفى أنّ (لعلّ) في المقام بمعنى الحتم والقطع، لعلم الله وإحاطته بكل شيء، وإنّما ذُكر للبلاغة، كما هو مكذور في محلّه، فالرُّشد والهُدى نتيجة المقدمات في صدر الآية الكريمة، فتّدبر.

وهذه الآية من أجمل الآيات في فضل الدّعاء وبيان مقامه الشامخ، وممّا يدل على قمة الرّجاء في نفوس العباد، وأن لا يقنطوا من رحمة الله عز وجل، وإن كانت الآيات كلّها جميلة ومن الأجمل (اللّهم إنّي أسألك من جمالك بأجمله، وكلّ جمالك جميل، اللّهم إنّي أسألك بجمالك كلّه) [2].

وقد استعمل في الآية المباركة سبع مرّات (ضمير المتكلم وحده) الدّال على الله سبحانه، مما يدلّ على عظمة الدّعاء، وعظمة الداعي، وعظمة المدعو، وعظمة جوده وكرمه واستجابة دعاء عبده، وعظمة الأمل والرجاء بالله سبحانه وقال:

فأوّلها: حرف الياء الدال على المتكلم وحده في قوله تعالى (عبادي)،

وثانيها: حرف الياء في (عني).

وثالثها: حرف الياء في (إني).

ورابعها: ضمير الفاعل في (أجيب).

وخامسها: حرف الياء المحذوف في (دعانِ) الدّال عليه الكسرة.

وسادسها: حرف الياء في (لي)

وسابعها: حرف الياء في (ي).

ثم من لطائف الآية الكريمة:

أولاً: قوله تعالى: (إني قريب) أي أقرب إليكم من حبل الوريد، بل يحول بين المرء وقلبه، فيكفيك أن تدعوهُ ولو في نفسك وخفيةً ومن دون وسائط، فإني قريب أجيب.

وثانياً: قوله تعالى: (أُجيب) فعل مضارع يدل على الاستمرار والدوام وبلا إنقطاع، فمتى ما كان، وأين ما كان، وكيف ما كان، ولأي أمر كان، فإني قريب ومجيب.

وثالثاً: إن الدعاء في نفسه وبذاته عبادة، كالصلاة والصوم مع غضّ النّظر عن الإستجابة، بل ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (الدّعاء مخّ العبادة) ممّا يدل على إصالته ومكانته السامية كمكانة المخ من الجسد، وإن المخ في الدماغ، وهو الذي يدبّر شؤون الجوارح والجوانح في جسد الإنسان بالعقل، وكذلك الدّعاء فله مثل هذا الدّور في حياة الإنسان وفي جسد عيشه، كما أنّ من فلسفة الخلقة وسّر الحياة العبادة مع المعرفة كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[3]، فأفضل العبادة الدعاء وإن لم تقض الحاجة أو لا يستجاب، بل الله يستجيب لما وعد، ووعده الصادق، ولن يخلف وعده، إلّا أنّ الإستجابة لها مراتب ومصاديق كما هو مذكور في محلّه ومعروف عند أهله، فما من شييء أفضل عند الله من أن يسأل ما عنده، ومن لم يسأل كان من ا لمستكبرين عن عبادة ربّه ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[4]. عن الإمام الباقرعليه السلام في تفسير الآية : هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء[5].

وقد ورد في فضل الدعاء آيات وروايات كثيرة: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ[6]. ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ[7].

ورابعاً: قوله تعالى: ﴿إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾ ولم يقل إذا سألك الإنسان أو النّاس، ممّا يدل على لطف الله ورحمته الرحيميّة القريبة من المؤمنين والمحسنين وادعوه خوفاً وطمعاً ﴿وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ[8].

وخامساً: قوله تعالى: ﴿دَعْوَةَ الدَّاعِي﴾ فليس كل سؤال ودعاء من مصاديق دعوة الداع، بل لابدّ أن يكون من الدعاء حقيقة، أي بشرطها وشروطها وبرعاية آدابها، كما في كتاب (عدّة الداعي) لشيخنا ابن فهد الحلي رحمه الله، فإانّ الدعاء طلب حقيقي بالقلب واللّسان، لا بمجرد لقلة اللسان من دون تدبّر وتفّهم وفاقة وحاجة وفقر في داخل الإنسان وذاته، فالدّعاء باللسان إذا لم يوافق القلب، فهذا ليس بدعاء ولا بدعوة داعٍ، كما لابدّ للدعاء المستجاب أن يكون وفقاً للنظام التكويني وللحكم التشريعي، وما فيه مصلحة الداعي نفسه، فربّ بعض لم يصلح إلّا بالفقر، فلو طلب من الله الغنى، فإنّه يضرّه ويفسده، فلا يستجاب له حبّاً به، كما في قصة الرّجل المنافق الذي مات منافقاً بعد أن صار غنياً وإمتنع عن الزكاة عندما أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرت قصته في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.

فلابدّ في الدعاء من الإنقطاع الخالص وكمال الإنقطاع لله سبحانه وتعالى، والابتهال اليه بالسؤال والرغبة فيما عنده من الخير والإحسان والرحمة الواسعة، فكل دعاء مستجاب، وما لم يستجاب فهو ليس بدعاء حقيقة، وإن كان مجازاً ومن باب لقلقة اللّسان. كما أن الذنوب تمنع من استجابة الدعاء (اللّهم اغفرلي الذنوب التي تحبس الدعاء).

﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ[9].

عن سُدير قال: قالت: لأبي جعفر عليه السلام(الإمام الباقر) أي العبادة أفضل؟ فقال: ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسأل ويطلب ممّا عنده، وما أحد أبغض إلى الله عز وجل ممَن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده[10].

عن ميسر بن عبد العزيز عن أبي عبد الله عليه السلام (الإمام الصادق) قال: قال لي: يا ميسر أدع ولا تقل: إن الأمر قد فُرغ منه، إنّ عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلّا بمسألة، ولو أن عبداً سدّ فاه، ولم يسأل لم يُعط شيئاً فسَل تُعط. يا ميسر، إنه ليس من باب يُقرع إلّا يوشك أن يُفتح لصاحبه.

أخي الكريم: هل بعد هذا تغتر وتسأم وتتعب عن الدّعاء؟! الآن إرفع يديك إلى الدعاء وأسأل الله من فضله كلّ شيء حتى ملح الطعام الله الله بالدعاء، فإنّه سلاح الأنبياء، وتُرس المؤمنين الصّلحاء، وعمود الدين، والحصن الحصين، ونور السموات والأرضين، ومفاتيح الجنان والنجاح ومقاليد الفوز والفلاح، نور الآفاق ويدّر الأرزاق.

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي ...﴾.

الهوامش :

 [1] البقرة: 186.

[2] من دعاء سحر شهر رمضان المبارك في مفاتيح الجنان.

[3] الذاريات: 56.

[4] غافر: 60.

[5] الكافي: 2: 338.

[6] إبراهيم: 39.

[7] الفرقان: 77.

[8] الاعراف: 56.

[9] غافر: 14.

[10] الكافي: 2: 338.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الجمعة 10 نوفمبر 2017 - 13:53 بتوقيت مكة