المهدي المنتظر في المعتقد الإسماعيلي (الجذور التاريخية والعقائدية):
الإمام هو محور المذهب الإسماعيلي ، ومحور العقيدة يدور حول شخصيته ، فالطائفة الإسماعيلية قالت إن الإمامة تكون لإسماعيل في زمن الإمام الصادق(ع) ، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان فقد مات إسماعيل قبل أبيه(ع) ، فأشكل عليهم الأمر فلجأ بعضهم إلى فكرة غيبة الإمام ، وقالوا إن إسماعيل لم يمت ، بل اختفى وسيظهر بعد ذلك، ولكن غالبية الطائفة (رفضوا فكرة الغيبة لإسماعيل)حيث الواقع والأدلة التاريخية تؤكد وفاته، لذا التزموا بقاعدة نقل الإمامة للذرية، فقالوا بأن الإمام بعد الإمام الصادق(ع) هو الابن الأكبر لإسماعيل ، وهو محمد الذي تركه أبوه في الثالثة من عمره.
انتشرت لاحقاً فكرة لدى غالبية الاسماعيليين الأوائل بعد أن ساقت الإمامة في إسماعيل ثم في ولده محمد ، فأصبحوا يعتقدون ويقولون أن محمداً قد ذهب في غيبة وعند عودته (ظهوره الثاني) سوف يبدأ الدور العالمي لحركته بصفته المهدي أو القائم ليملأ الأرض عدلاً وقسطا.
في عام (296 هـ) وبعد زمن قصير من استلام عبد الله المهدي الخليفة الفاطمي الأول الذي أسس أول دولة إسماعيلية فاطمية في المهدية بإفريقيا (تونس) غيّر بعض التوجيهات العقائدية المرسلة لأتباعه، فبدلاً من التمسك بمهدوية محمد بن إسماعيل الذي قامت الدعوة باسمه ونيابة عنه، فان القائد الجديد (عبد الله المهدي) إدعى الإمامة و(المهدوية) لنفسه ، وكذلك الإمامة لأسلافه الذين قادوا الإسماعيليين بعد محمد بن إسماعيل .. كان قادة الإسماعيليين المركزيين قبل إصلاح وتجديد عبد الله المهدي يتخذون لأنفسهم رتبة الحجة للإمام الغائب(دور الستر) ،وكانت العقيدة أنه عبر الحجة يمكن للأتباع الاتصال بالمهدي المستور .. على كل حال يتضمن إصلاح عبد الله المهدي رفض مهدوية محمد بن إسماعيل التي كانت النقطة المركزية في العقيدة التي عليها غالبية الإسماعيليين.
إن دعوة عبد الله المهدي العلنية لإمامته قسمت الجماعة الإسماعيلية إلى فرعين: قسم قبل دعوته والتي أصبحت فيما بعد العقيدة الرسمية ، وحافظ هؤلاء (الغالبية) على استمرار الإمامة وقبلوا تفسير عبد الله المهدي بأن الإمامة الإسماعيلية انتقلت ضمن أحفاد الإمام الصادق(ع) المباشرين .. أما الفرع الآخر وهم (القلة) من الإسماعيليين المنشقين على عبد الله المهدي والذين لم يستطيعوا تأمين قيادة موحدة ، ولكنهم رفضوا دعوة عبد الله المهدي لإمامته ، وحافظوا على عقيدتهم الأصلية ، وأعادوا تأكيدها بعودة محمد بن إسماعيل بصفته المهدي.
يعتقد الإسماعيلية حاليا بأن الأرض لا تخلو من إمام ظاهر مكشوف أو خائف مستور ، فإن كان الإمام ظاهراً جاز أن يكون حجته مستوراً ، وإن كان الإمام مستوراً فلا بد أن يكون حجته (نائبه بمسمى الداعي) ظاهرا .. من هنا نرى أن الحركة الإسماعيلية تاريخيا قد مرت بعدة أدوار:
1-دور الستر: من موت إسماعيل عام 143هـ إلى ظهور عبد الله المهدي عام 296 هـ.
2-دور الظهور: بدأ بعد تأسيسهم أول دولة بقيادة عبد الله المهدي ، واختلفت الفرق بعد ذلك ، فالفرقة النزارية القاسمية لازالت في دور الظهور حتى الآن.
3- دور الستر: عاد من جديد عند الفرقة المستعلية بعد وفاة الطيب بن الآمر بأحكام الله عام 525 هـ ، ويعتقدون أن الأئمة المستورين من نسله إلى الآن ، ولكن لا يعرف عنهم شيئا ، حتى أن أسماءهم غير معروفة ، والداعي المطلق (المفترض نائبه وحجته) لا يعرفهم.
المصدر:كتاب رؤى مهدوية