اليوم التالي لانفصال كردستان

السبت 9 سبتمبر 2017 - 09:08 بتوقيت مكة
اليوم التالي لانفصال كردستان

مقالات-الكوثر هناك مجموعة من الأسئلة المستقبلية التي ستطرح نفسها إذا قُدّر لكردستان أن تنفصل عن العراق، وتدور هذه الأسئلة حول شكل الدولة الكردية ونظامها السياسي، وحول علاقة الدولة الجديدة بالحكومة المركزية وبدول جوارها المباشر، وأخيرا حول شعبية مسعود برزاني باعتباره القائد الذي حقق للأكراد حلم الدولة الوطنية!

نبدأ بسؤال شكل الدولة ونظام الحكم، وثمة ترويج لأن الدولة الكردية ستكون فيدرالية تسمح باستيعاب تطلعات الأقليات المختلفة، لكننا هنا نصير إزاء معضلة حقيقية لأن انفصال الدولة الكردية سيبعث برسالة بالغة السلبية عن قدرة الحل الفيدرالي على إرضاء طموحات الأقليات.

وتظهر هذه المشكلة أكثر عندما نأخذ في الاعتبار توسع الدولة الكردية لتشمل المناطق المتنازع عليها وفِي مقدمتها مدينة كركوك، وقد وافق مجلس محافظة كركوك بالفعل على أن يشمله الاستفتاء ضاربا عرض الحائط ليس فقط بالتحذيرات الدولية لكن أيضا باحتجاجات العرب والتركمان من سكان كركوك، فكيف نقنع إذن غير الأكراد بأن «استقواء» بغداد الذى يدعونه كمبرر للانفصال عن العراق لن يتكرر باستقواء أربيل على كركوك أو على أي من الأقاليم الفيدرالية داخل الدولة الكردية؟

كيف نقنعهم أن «الضحية» لن تقلد سلوك الجلاد خاصة أن هذه «الضحية» سبق لها تقليد سلوك صدام فقامت بتغيير واسع لتركيبة كركوك السكانية؟

وفيما يخص شكل نظام الحكم يشيع أنه سيكون ديمقراطيا، لكن الديمقراطية لها مؤشرات من أبرزها احترام الدستور وتداول السلطة والمؤسسية.

ولو توقفنا أمام احترام الدستور لوجدنا أن خطوة الاستفتاء بإرادة كردية منفردة تعصف بجملة من مواد الدستور الذي وافق عليه العراقيون بمن فيهم الأكراد في أكتوبر 2005.

خذ عندك الديباجة التي تقول إن شعب العراق اختار «الاتحاد بنفسه»، والمادة الأولى التي تقول إن العراق دولة «اتحادية واحدة»، والمادة 13 التي تنص على بطلان «كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص آخر يتعارض معه - أي مع الدستور»، والمادة 109 التي تلزم السلطات الاتحادية بالحفاظ على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي.

هكذا انتُهِكت كل المواد التي تخص وحدة العراق، دع عنك خرق مواد أخرى (المادتان 111 و112) تتعامل مع ثروات العراق بوصفها ملكا لكل العراقيين وتجعل إدارتها مسؤولية الحكومة المركزية فيما تعاملت حكومة الإقليم مع نفطه باعتباره ملكية خاصة.

وعندما ننتقل لتداول السلطة نجد أن رئيس الإقليم أنهى فترتي حكمه ( 2005-2013) ولم يعد من حقه الاستمرار بمقتضى المادة 3 من قانون رئاسة الإقليم لعام 2005 التي تنص على أن «تكون ولاية رئيس الإقليم أربع سنوات ويجوز إعادة انتخابه لولايتين»، لكن ما حدث هو أنه تم التمديد له لمدة سنتين بعد استصدار ما سُمِّي «قانون تمديد ولاية رئيس الإقليم» في أغسطس 2013 على أن يكون لمرة واحدة وأخيرة، وبرغم الطابع الاستثنائي لهذا الإجراء فإن مسعود برزاني ما زال يحكم بعد انتهاء التمديد منذ عامين.

وفيما يخص المؤسسية نجد أن برلمان الإقليم معطل منذ عام 2015 بل إن رئيسه يوسف محمد تم منعه من دخول أربيل، وهذا عقاب قد يطول أي معارض سياسي ناهيك عن أن يكون من قومية غير كردية، كما نجد أن مجلس الأمن (الكردستاني) الذي أسسه البرلمان عام 2011 ليكون بمنزلة وكالة مخابرات إنما يتوزع على وحدتين للمعلومات تتبع إحداهما الحزب الديمقراطي وتتبع الأخرى حزب الاتحاد ولا يوجد ثمة تعاون بينهما إلى حد دفع طالباني للقول «في بعض الأوقات تمتعنا بعلاقة عمل مع بغداد أفضل من علاقتنا مع نظرائنا في أربيل». من كل ذلك يثور السؤال: ما منع الأكراد أن يقيموا الديمقراطية في إقليمهم وكيف سيفيد انفصالهم في إقامتها؟

هل يمكن لـ «كردستان مستقلة أن تقيم علاقات أقوى مع بغداد بحيث» تتعاون معها ضد الإرهاب وتقاسمها الثروات كما زعم مسعود برزاني في مقاله المنشور في الواشنطن بوست؟

أشك جدا في ذلك.. أولا، لأن التفاوض بعد الانفصال يعني قبول بغداد بالأمر الواقع وهي لا تقبله.. ثانيا، لأن حدود الدم التي تحدث عنها برزاني وخولته رفع العلم على كركوك وإدماجها في الاستفتاء هي النقيض الحرفي للأساليب السياسية.. ثالثا، لأنه إذا كان التفاوض ممكنا بعد الانفصال فلماذا طريقه مسدود قبل الانفصال؟

لن تكون الصورة وردية لعلاقة العراق مع الدولة الكردية، وإذا ما تفجر الخلاف بين حزبي الاتحاد والديمقراطي كما حدث بين 1994 و1998 لن تنجد بغداد برزاني إذا ما استنجد بها كما حدث في 1996 وسيكون على كل طرف أن يخوض معاركه، هذا في الحد الأدني.

أما العلاقة مع دول الجوار، فصحيح أن لتركيا بالذات مصالح اقتصادية ضخمة مع كردستان العراق، لكن التجارة الخارجية شيء والاستقرار الداخلي شيء آخر تماما، وذلك الحاكم «العثماني» صاحب الحلم الإمبراطوري سيفعل كل شيء لكي يعزل الدولة الكردية ويحكم عليها الخناق.

أما شعبية مسعود برزاني، فصحيح أنه لو قُدّر للدولة الكردية أن تقوم سيكون برزانى هو منشئها لكن الدول ليست مجرد أعلام، إنها مجموعة من الوظائف الأساسية واجبة الأداء، ولو أخذنا وظيفة واحدة هي الوظيفة الاقتصادية وسألنا أي موارد للدولة الكردية الحبيسة؟ وكيف وهي تعزو مديونيتها لتوقف مستحقاتها من الميزانية المركزية ستتعامل مع الوضع بعد القطع التام لتلك المستحقات؟ وما الحال لو تعامل المجتمع الدولي مع منتجات دولة نشأت ضد إرادة تعامله مع بضائع المستوطنات مثلا؟

نعم قد يكتب برزاني بداية الدولة الكردية لكنه بالقدر نفسه قد يكتب لها نهايتها.

د.نيفين مسعد/ الاهرام

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 9 سبتمبر 2017 - 08:48 بتوقيت مكة