خاص الكوثر - عين الحياة
قالت الأستاذ والباحث في الحوزة العلمية الشيخ فضيل الجزائري إن الساحة الدينية التي شهدت في الجزائر مؤخرًا نقاشًا محتدمًا حول مفهوم "الاحتفال" الديني، بين من يعتبره واجبًا وجدانيًا وتاريخيًا، ومن يرى فيه خروجًا عن السنة النبوية. الجدل جاء في سياق نقاش ديني بث في إحدى الجلسات العامة، حيث تم التمييز بين "الاحتفال المشروع" و"الابتداع المحرم"، خصوصًا عند الحديث عن المولد النبوي الشريف والفعاليات المرتبطة به.
وأضاف: يرى المشاركون في هذه الجلسات غير الرسمية أن الاحتفال برسول الإسلام لا يجب أن يُصنَّف على أنه "بدعة" بالمعنى السلبي، بل يُفترض أن يكون إحياءً لذكرى روحية عميقة، تستدعي التأمل في التحول الحضاري الذي أحدثه الإسلام، خاصة في منطقة شمال إفريقيا، التي كانت تحت تأثير المسيحية التوحيدية قبل الفتح الإسلامي.
تخللت النقاشات شهادات وشذرات تاريخية، منها قصة الشيخ الجزائري عن تأثره بكتاب فرنسي يتناول سيرة النبي محمد ﷺ، مما يعكس أن تأثير الإسلام تجاوز الطقوس ليصل إلى أعماق الضمير الإنساني، حتى بين المثقفين والفنانين غير المسلمين. وورد ذكر شاعر فرنسي وصف النبي بأنه "أنقذ الإنسانية من ظلام أبدي بإمكانات بسيطة"، وهو تعبير يعكس الرؤية الإنسانية العالمية للدور النبوي.
إقرأ أيضاً:
وفي هذا السياق، أشار الأستاذ في الحوزة العلمية إلى أن قبول شعوب شمال إفريقيا للإسلام لم يكن نتيجة السيف فقط، بل نتيجة تقارب روحي وعقائدي مع الديانة الإسلامية، ما ساعد على انتشارها دون مقاومة تُذكر. وأضاف أن الكنيسة نفسها عارضت رموز التوحيد قبل الفتح الإسلامي، مما يشير إلى أن الإسلام جاء ليكمل هذه المسيرة التوحيدية.
وتابع: في المقابل، لا تزال الأصوات السلفية، التي يُشار إليها محليًا بـ"الوهابية"، تعتبر مثل هذه الاحتفالات انحرافًا عن السنة، وتتهم الصوفية بإدخال عناصر شيعية إلى التدين المحلي. وقد تزايدت حدة الانقسام بين أتباع المذهب المالكي، الذين بدأ بعضهم بتأييد هذه الاحتفالات كجزء من الثقافة الروحية، وأتباع الفكر السلفي، الذين يرون فيها طقوسًا مبتدعة.
وحول بعض العلماء المالكية في الجزائر صرّح الشيخ الجزائري بأن وصف الاحتفالات الصوفية بـ"البدعة الشيعية" أمر غير دقيق، بل يعكس تضييقًا غير مشروع على الممارسات الروحية. وفي هذا السياق، دعا البعض إلى إعادة فهم الدين ضمن سياقه الحضاري والروحي، وليس ضمن حدود ضيقة تحصر الإسلام في الطقوس الشكلية فقط.
وتستمر هذه النقاشات في تشكيل ملامح جديدة للخطاب الديني في الجزائر، حيث تسعى بعض الجهات إلى التوفيق بين التراث المالكي الصوفي وتحديات العصر الحديث، في حين يتمسك آخرون بنصوصية تفسيرية ترى في كل خروج عن المألوف تهديدًا للهوية الدينية.