خاص الكوثر - الوجه الاخر
قال الدكتور شريعتمداري: إن موضوع الحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان يدعونا إلى التوجّه نحو بُعد العلاقات الإنسانية. فالعلاقة بين البشر، من منظور ديني وقرآني، تقوم على الرحمة، والتعايش، وتجنّب التنازع، وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد هذا المبدأ، بل حتى إذا تجاوزنا الاستناد المباشر إلى هذه الآيات، فإننا نجد أن مبدأ "اللطف الإلهي" يؤكد أن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، لا يريد لهم الصراع والاقتتال، بل يريد لهم أن يتعايشوا، ويتراحموا، ويتوادّوا، ويتواصلوا فيما بينهم.
اقرأ ايضاً
واكمل الدكتور شريعتمداري : من هنا نصل إلى موضوع الدعوة، إذ إن الحوار يُعدّ من أسسهاـ وللدعوة بدورها أدلة قرآنية كثيرة تدعمها، ولكن السؤال الجوهري هو: هل تنتهي هذه القاعدة عند حدٍّ معين؟ هل هناك استثناءات يمكن أن تُغيّر هذا المبدأ الأساسي؟ هذا هو موضع التعقيد في العلاقات الإنسانية، على سبيل المثال، من الناحية العقائدية، نملك في الإسلام مبدأ "التولي والتبري": التولي للمؤمنين، والتبري من الكفار والمشركين. وهذا التبري قد لا يكون قطيعة تامة، بل قد يبقى ضمن إطار الحوار والتواصل الطبيعي، مع بقاء المفاصلة الإيمانية في مستوى الاعتقاد والموقف.
وتابع شريعتمداري قائلاً : التولي والتبري من فروع الدين، وهو عبادة ينبغي للمسلم أن يلتزم بها في كل لحظة من لحظات حياته، وفي كل آن من وجوده، لكن للأسف، لا نجد تفصيلًا كافيًا لأحكام التولي والتبري، كما نجده في العبادات الأخرى؛ فمثلًا: الصلاة مفروضة خمس مرات في اليوم، والصيام واجب في شهر واحد من السنة، والحج عبادة العمر لمن استطاع إليه سبيلًا، أما التولي والتبري، فهو ليس عبادة موسمية أو مؤقتة، بل سلوك يومي دائم، يحتاجه الإنسان باستمرار في علاقاته مع الآخرين، سواء على المستوى الفردي أو في العلاقات الدولية، وفي كثير من مجالات الحياة، وربما من المهم أن أشير هنا إلى نقطة جوهرية: أن أحكام التولي والتبري لم يتم تفعيلها والاستفادة منها كما هو الحال في سائر العبادات، رغم أهميتها البالغة في تشكيل الموقف الإيماني والسلوك الاجتماعي للمسلم.