شاركوا هذا الخبر

اقرأ واستمع

استمرار الحرب على غزة.. لماذا فشلت الجهود كافة لوقفها؟

لا تزال الحرب مستمرة وبوتيرة أكثر وحشية وإجرامية وصلت إلى حدّ فرض إغلاق محكم وشامل لجميع المعابر التي تحيط بقطاع غزة، ووقف كليّ للمساعدات الإنسانية الغذائية والطبية والوقود، وحتى قطع خطوط المياه الشحيحة أصلاً، وفصل شامل وكليّ للتيار الكهربائي.

الكوثر - مقالات

مع العلم أن المساعدات الإنسانية كانت بالكاد تغطي جزءاً يسيراً من احتياجات الغزيين إبان سريان الهدنة المؤقتة قبل استئناف الحرب منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، والتي ضاعف فيها "جيش" الاحتلال عدوانه واستهدافه العشوائي لمنازل المواطنين الآمنين. ففي اليوم الأول من الخرق الصهيوني لوقف إطلاق النار، دمّرت الطائرات الصهيونية عشرات المنازل على رؤوس ساكنيها ما أسفر عن استشهاد نحو 400 فلسطيني أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال، الأمر الذي يثير تساؤلاً حول أسباب استمرار الحرب على غزة حتى بعد عام ونصف من اندلاعها، ولماذا فشلت الجهود كافة لوقفها؟

الجيش الصهيوني يطالب بوقف الحرب

على الرغم من اكتساب الحرب على غزة عند اندلاعها تأييداً ودعماً داخلياً صهاينة يشبهان الإجماع، وذلك على خلفية الصدمة الصهيونية بعد السابع من أكتوبر 2023؛ والتي ولّدت رغبة جامحة لدى الشرائح الصهيونية كافة بالانتقام من غزة بكل ما فيها من بشر وحجر وشجر، بيد أن الإجماع الداخلي الصهيوني على استمرار الحرب تراجع مع مرور الوقت وإطالة أمد الحرب، وفي آخر استطلاع للرأي العام، أيّد نحو ثلثي الصهاينة إنهاء الحرب، كما تعالت أصوات داخل "الجيش" تطالب بوقف الحرب والإفراج عن الأسرى الصهاينة، أبرزها الرسالة التي نشرها نحو ألف طيار وأعقبتها رسائل مشابهة من مئات العساكر في سلكي الاستخبارات والطب، بيد أن رسالة الطيارين كانت الأخطر، وتكاد تكون غير مسبوقة إذ لم تكتف بالمطالبة بوقف الحرب بل اتخذت خطوة عملية برفض الخدمة بسبب ما عدّوه أجندات شخصية وسياسية وراء استئناف الحرب وليس دوافع "وطنية"، الأمر الذي دفع رئيس الأركان الصهيوني ايال زمير وبتأييد من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس إلى فصل الطيارين النظاميين الموقّعين على الخطاب وعددهم نحو مئة طيار.

إقرأ أيضاً:

أسهمت عوامل مختلفة في استمرار الحرب لفترة أطول بكثير مما توقعه أكثر المتشائمين، بيد أن الأبعاد الداخلية الصهيونية والحسابات السياسية "غير المهنية" تعدّ المسبب الرئيسي لإطالة أمد الحرب، كما أسهمت شخصية نتنياهو وسماته الفريدة في الخداع والمراوغة والقدرة الاستثنائية على تسخير مختلف التناقضات كي ينجح في معركة البقاء على رأس السلطة باعتبارها الغاية التي تبرر له الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فأسهمت شخصيته في تخطي أسوأ كابوس في تاريخ "الكيان" منذ نشأته من دون أن يستقيل أو يتحمّل المسؤولية الشخصية أو حتى يشكّل لجنة تحقيق رسمية، وسبيله الوحيد للنجاة استمرار الحرب من دون استراتيجية وبأهداف هولامية غير ملموسة ومستحيلة التحقق، حتى إن أحد الكتاب الصهاينة تهكّم مستغرباً من بقاء نتنياهو وحكومته بعد عام ونصف على "الكارثة " من خلال افتراضه نزول كائن فضائي بعد هذه المدة فلن يتخيل أن يرى نتنياهو ما زال على رأس الحكومة الصهيونية.

نتنياهولم ينجح في إطالة أمد الحرب

نتنياهو حتى الآن نجح في إطالة أمد الحرب من خلال اتباع سياسة الخداع التي يجيدها، ووسيلته الوحيدة ليضمن نجاته من السجن وتماسك حكومته هي الحرب الأبدية، وحجته تثير هواجس الصهاينة ومخاوفهم الدائمة بعدم السماح بتكرار "كارثة" السابع من أكتوبر، ومن أجل ذلك، يجب على "الكيان" أن يبقى في حالة حرب دائمة مع "أعدائه" الحاليين والمفترضين ويجب ألا تقف عند غزة بل تستمر في لبنان واليمن وتتصاعد في سوريا وتتهيأ لإيران وحتى تستعد لحرب محتملة مع مصر وتركيا.

يبرر نتنياهو استئناف الحرب على غزة، بعد خرق "جيشه" اتفاق وقف إطلاق النار، بممارسة الضغط العسكري لإجبار المقاومة على الإفراج عن الأسرى الصهاينة، وبعد نحو ثلاثة أسابيع سيطر خلالها "الجيش" الصهيوني على أكثر من ثلث مساحة القطاع (حتى الآن، من دون مؤشرات إلى تنازلات، أو استسلام، أو خضوع المقاومة)، وتوسُّع الهجمات في سوريا، وتصعيد اللهجة تجاه تركيا، وإطلاق صواريخ من اليمن، وهجمات في لبنان، ومواجهات في الضفة الغربية، وترقُّب الاستعدادات للهجوم على إيران، حتى تحوّلت الحرب إلى واقع ثابت في "الكيان" لأنه ليس إلا حرب نتنياهو التي اختارها من دون استراتيجية حتى تستمر لأطول فترة زمنية تمكنه من النجاة والبقاء، من منطلق الإدراك أن صياغة استراتيجية ستثير قضايا معقدة، وستتطلب قرارات ستقوّض وحدة الائتلاف اليميني الحاكم.

نتنياهو يهتف الشعارات الجوفاء مثل النصر المطلق في غزة

لذا، يلجأ نتنياهو إلى الشعارات الجوفاء التي تثير حماسة قواعده الشعبية مثل النصر المطلق في غزة. ويعتمد على الفرضية القائلة إن استخدام مزيد من القوة سيؤدي إلى مرونة "المقاومة"، وأن هناك دائماً "علامات تدل على الانكسار" في المنظمة، والإيمان الراسخ بأن خطة ترامب بشأن غزة قابلة للتحقيق، على الرغم من أنه لا توجد أيّ دولة مستعدة للتعاون معها، وواشنطن نفسها تفقد اهتمامها بها، وأن "الجيش" سينجح، من خلال سحق مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وإفراغها، في محو ذاكرة اللجوء من وعي الفلسطينيين، والقضاء على "التطرف" لديهم، وأن "الكيان الصهيوني" في طريقه إلى تشكيل شرق أوسط جديد، أكثر استقراراً وأصدق تجاهها.

كلها وغيرها من شعارات نتنياهو الجوفاء والتي أراد بها أن يستبدل هزيمة السابع من أكتوبر بـ"حرب النهضة" على غرار تسمية ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء بعد احتلال فلسطين، للحرب عام 1948 بـ"حرب النهضة"، فالرجل مهووس بتشبيه نفسه برموز تاريخية كتشرشل وبن غوريون، بيد أن العالم لم يره مؤخراً إلا كتلميذ مطيع بين يدي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي.

الادارة الأميركية فشلت في إطالة أمد الحرب!

أسهم ضعف إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في نجاح خطة نتنياهو في إطالة أمد الحرب، كما أسهم حرص بايدن الأيديولوجي على مصلحة كيان الاحتلال في مجاراة نتنياهو وعدم عرقلة مساره مع علمه ببواعثه الشخصية والداخلية، على الرغم من الإهانات التي تعرض لها بايدن عبر تصوير نتنياهو له ولإدارته بأنهما لا يمنحان الدعم الكامل لـ كيان الاحتلال، وذلك لرغبة نتنياهو في تعزيز فرص دونالد ترامب في الفوز في الانتخابات ولتعزيز شعبية نتنياهو في أوساط اليمين بوصفه القادر على معارضة الإدارة الأميركية من أجل المصلحة الإسرائيلية حتى قال مقولته المشهورة بأن "الكيان" إذا اضطر فسيقاتل بأظفاره، وذلك رداً على تهديد بايدن له بحجب نوع معين من الصواريخ التي تزن 2 طن. بيد أن نتنياهو الذي استدعي على عجل لمقابلة ترامب لم يعبّر عن الامتعاض من تصريح ترامب حول بدء المفاوضات مع إيران، وإن بدت الصدمة في ملامحه واضحة، وزادت صدمته بقول ترامب إنه يحب إردوغان، كما لم يتراجع عن فرض الرسوم الجمركية على "الكيان" معتبراً أن ما يحصل عليه نحو 4 مليارات دولار سنوياً هو مبلغ سخي للغاية.

على صعيد الحرب على غزة، يتضح أن ما سيجهض مسار نتنياهو في حربه الأبدية هو مصالح ترامب غير الملتزم أيديولوجياً مع "الكيان" ولا تحركه إلا مصالحه ونزعاته الشخصية، ويبدو أن وجهة ترامب وزيارته عدداً من دول الخليج الفارسي الشهر المقبل لدوافع اقتصادية، ستدفع نتنياهو إلى الإذعان للإملاء الأميركي القادم.

 

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة