الكوثر_الكتب
يؤكد الأنصاري في مؤلفه أن الحياة والهوية في المدن لا تنفصلان عن سكانها، وأن المدينة لا تحتفظ بنبضها وكيانها من دون العودة إلى جذورها التاريخية، ومعرفة الشخصيات والأحداث التي ساهمت في بنائها، والاطلاع على التحديات التي واجهتها، فضلاً عن الحفاظ على الإرث المادي والمعنوي الذي خلّفه الاجداد.
اقرأ ايضا:
يبيّن الكتاب أن العديد من المدن فقدت هويتها التاريخية بسبب الإهمال، في حين نجحت مدن أخرى في ترسيخ مكانتها الحضارية بفضل جهود الباحثين والمؤرخين والمجتمع المحلي. ويُعدّ النجف نموذجاً لمدينة نشأت وتطوّرت حول مركز عقدي وديني، حيث يُرجع المؤلف بدايات المدينة إلى مقام الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في منطقة تقع بين الحيرة والكوفة، والتي شكّلت نقطة انطلاق لتشكّل المدينة وازدهارها.
يركّز الدكتور الأنصاري على الحرم العلوي الشريف باعتباره النواة التي تشكّلت حولها المدينة، ويتتبع في هذا الإطار مختلف المراحل التاريخية التي مر بها المرقد الشريف، بما في ذلك مشروعات الإعمار والتوسعة والترميم، متناولاً التفاصيل المعمارية الدقيقة للقبة، والمنائر، والإيوان، والضريح، والصحن، والرواقات، والأبواب.
ويضمّ الكتاب كذلك فصولاً مخصصة للتعريف بالقيّمين على الحرم، والخدمة، والشخصيات المدفونة في العتبة العلوية، إلى جانب استعراض شامل للمدارس الدينية في النجف، والمساجد البارزة، والأحياء الأربعة التي تُشكّل النسيج العمراني للمدينة.
ويمتاز هذا العمل البحثي بأن المؤلف لم يكتفِ بجمع المعلومات من المصادر التاريخية والوثائق، بل أرفقها بمشاهدات ميدانية مباشرة، وصور حصرية، ومواقف موثّقة عاشها بنفسه، مما أضفى على الكتاب طابعاً توثيقياً فريداً وقيمة علمية ومعرفية عالية.
ويُعدّ كتاب "تاريخ النجف من البداية حتى اليوم" نموذجاً مهماً للأعمال التوثيقية المتخصصة بتاريخ المدن، ويوفر مرجعاً ثرياً للمهتمين بالتراث والتاريخ والهوية، ويدعو في الوقت ذاته إلى إنجاز أعمال مماثلة توثق لتاريخ المدن الأخرى في العالمين العربي والإسلامي.