هكذا يتجلى البعد الماورائي في غيبة الإمام المهدي(عج)!

الإثنين 23 إبريل 2018 - 09:26 بتوقيت مكة
هكذا يتجلى البعد الماورائي في غيبة الإمام المهدي(عج)!

إن مما تهدف إليه فلسفة الغيبة هو تصعيد العامل الماورائي في الطرح المهدوي، بمعنى أن اشتمال ذلك الطرح على وجود شخصية ذات بعد غيبي...

أ.د.محمد شقير

الإمام المهدي(ع) هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت(ع)، الذين هم أوصياء النبي محمد(ص) ومن ذريته. ُولد الإمام في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 255 هـ، في مدينة سامراء في العراق. أبوه الإمام الحسن العسكري(ع). وقد غاب الإمام غيبتان: غيبة صغرى بدأت من العام 260 هـ، وانتهت في العام 329 هـ، وغيبة كبرى بدأت العام 329 هـ، وما زالت مستمرة إلى الآن.

                وهنا سوف نتناول موضوع تلك الغيبة الكبرى من حيث بعدها الماورائي والغيبي، وأثر ذلك البعد في مشروع الظهور وأهدافه، وإسهامه في إنجاح تلك الأهداف. لكن قبل ذلك سوف نشير بشكل مختصر إلى أدلة الغيبة، من حيث المنهج المتبع فيها. ثم ننتقل بعدها إلى بحث ذلك البعد الماورائي وأثره في مشروع الظهور.

الأدلة والمنهج: تتمحور الأدلة في موضوع غيبة الإمام المهدي(ع) حول الدليل النقلي، والاختلاف الحاصل بين المدارس الكلامية في موضوع الغيبة مردّه إلى أمر منهجي، وهو أن من يتبع مدرسة أهل البيت(ع)، ويتمسك بما ورد عنهم؛ سوف يصل إلى نتائج ما في موضوع الإمام المهدي(ع)، وغيبته، ومجمل القضايا ذات الصلة. في حين أن من يتمسك بغير أهل البيت(ع) في ذاك الشأن، فسوف يصل إلى نتائج مختلفة.

وإذا ما عدنا إلى مدرسة أهل البيت(ع)، يمكن القول بأن أهم الطرق التي تثبت غيبة الإمام المهدي(ع) قد تُختصر في ثلاثة:

الأولى: الروايات التي تتحدّث في غيبة الإمام المهدي(ع)، وأنه يغيب ،وفي مجمل تفاصيل الغيبة وقضاياها. وتعدّ هذه الروايات بالمئات. وقد صنّفت فيها العديد من المصنفات.

الثانية: الروايات التي تؤكد عدم خلو الأرض من حجة، وبالتالي ضرورة وجود حجة ( إمام ) بعد وفاة الإمام العسكري(ع). وحيث أنه لا يوجد من طرح يمتلك أدلته لمصداق الحجة من حينها إلا الإمام المهدي(ع)؛ فهو يعني وجوده وإن كان غائباً.

الثالثة: الروايات التي تتحدث في ولادة الإمام المهدي(ع)، ووجود ولد للإمام العسكري(ع)، ومجمل ما يتصل بحدث الولادة ومسائلها.

 

أ-مشروع الظهور وبعده الماورائي: إن من يقرأ نص الظهور ومشروعه   – بحسب ما ورد عن أئمة أهل البيت(ع) – يجد بأن هذا المشروع وحركته يتضمنان العديد من العناصر الماورائية، التي سوف يكون لديها دور أساس ومهم في إنجاح ذلك المشروع ووصوله إلى غاياته. ومن الواضح أن العامل الغيبي كان حاضراً بقوة في مسيرة الأنبياء والرسل وأوصيائهم. وقد ساهم ذلك العامل بفعالية في نجاح تلك المسيرة، وتحقق أهدافها. وكلما كان المشروع الإلهي أشد تحدياً، وأكثر بعداً في أهدافه ومداه؛ كان العامل الماورائي أكثر حضوراً لتحقيق تلك الأهداف، وبلوغ ذلك المدى.

وبما أن الإمام المهدي(ع) هو خاتم مسيرة الأنبياء والرسل والأوصياء على مدار التاريخ، ومن خلاله سوف يتحقق الوعد الإلهي بإقامة العدل في الأرض كلها، ومحو الظلم منها - أي إن مشروعه هو مشروع عالمي إنساني، يشمل العالم كله، وهو ليس مشروعاً إقليمياً، أو قارياً، أو فئوياً، أو طائفياً.. - ؛ فهذا يتطلب أن يكون حضور العامل الماورائي حضوراً نوعياً، وأن يكون مستوى الإشباع في وجود ذلك البعد الغيبي الماورائي كبيراً جداً، إلى حدٍّ يساعد على تحقق ذلك المشروع العالمي ونجاحه.

ب-الغيبة وبعدها الماورائي ودوره في مشروع الظهور: إن ما تعنيه الغيبة هو وجود الإمام المهدي(ع)، على أن لا يكون وجوده وجوداً ظاهراً، بل وجوداً مستوراً، حاله حال العديد من الأنبياء أو الأولياء، الذين غابوا عن الاجتماع العام، وميدان عملهم الرسالي، أو الذين غابوا عن الاجتماع البشري، بحيث لم يعودوا بمرأى أو مسمع من عموم الناس، بغض النظر عن الأسباب الداعية إلى هذه الغيبة أو تلك، أو مدة غيبة هذا النبي أو ذاك الولي، وجملة المتعلقات الأخرى . كل ما في الأمر، أن أصل الغيبة وجوهرها هو أمر موجود وممارس في التاريخ الديني، وتاريخ الأنبياء والرسل والأولياء، وأنه ليس عزيزاً أو نادراً في وجوده في ذاك التاريخ.

الإمام المهدي(ع) هو واحد من أولئك الحجج الإلهيين، الذين كانت لهم غيبتهم، وإن كانت هذه الغيبة تختلف في جملة من مفرداتها، تبعاً لاختلاف أهدافها، وأسبابها، وجملة مقاصدها. والتي تتصل بالمشروع المهدوي الهادف إلى أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

ومن هنا لا بد من الإلتفات إلى أمرين في هذا السياق:

الأول: إن مشروع الإمام المهدي هو مشروع يهدف إلى تغيير البنية الحضارية على مستوى العالم، بما هي بنية تقوم على أساس من الظلم واللاعدالة في توزيع الثروات وتوظيفها، وإدارتها، واستثمارها. بل أيضاً اللاعدالة في توظيف واستثمار جميع الإمكانيات، والعلوم، والخبرات البشرية في شتى المجالات. وهو ما يتطلب إعادة بناء أنماط حضارية، وسياسات، وثقافات، تقوم على أساس من تلك العدالة وقيمها.

الثاني: إن حضور العنصر الغيبي والعامل الماورائي يجب أن يكون بمستوى ذلك المشروع ومداه. ومن هنا أكدت النصوص الدينية، ذات الصلة بحدث الظهور ومشروعه، على جملة من تلك العناصر والعوامل. واحدة من تلك العوامل هو حصول الغيبة وإطالتها، وما يؤدي إليه ذلك من اشباع ماورائي يفي حاجة ذلك المشروع إلى ذاك المستوى من التصعيد الماورائي، مع ما يترتب على ذلك من حيث:

أولاً: وجود الإمام، لكن وجوده يكون وجوداً غير ظاهر.

ثانياً: طول مدة غيبته، وما يعنيه ذلك من بعد إعجازي ماورائي.

ثالثاً: طبيعة ومستوى الانجذاب النفسي، والانشداد المعنوي إلى شخصية الإمام ( الآداب والمفاهيم والقيم ذات الصلة )، والارتباط الفعّال به، باعتبار كونه موجوداً، وإن كان غائباً.

رابعاً: شمول العناية الإلهية، والرعاية الربانية للاجتماع البشري ومسيره، من خلال وجود الإمام، وصلته القوية بمسير ذلك الاجتماع البشري على هذه البسيطة رغم غيبته.

خامساً: تقوية الوجدان الغيبي، وتعزيز الحس الغيبي من خلال غيبة الإمام والإيمان به في غيبته.

سادساً: إيجاد سيكولوجية انتظار فاعلة ونشطة لحدث قد يكون قريباً، من خلال تعزيز الوعي بوجود الإمام الغائب، وعدم انقطاعه عن مجريات الواقع وشؤونه.

إن ما تقدم قد يفضي إلى القول بأن مستوى الاشباع الغيبي، وحضور العامل الماورائي بأرقى مراتبه، إنما يتحقق من خلال وجود الإمام غائباً، وغيبته المديدة عن الحضور الظاهر، أكثر مما يتحقق من خلال أية صيغة أخرى، لا تتضمن تلك الأبعاد، ولا تترتب عليها تلك الآثار والنتائج، التي ذكرناها آنفاً.

 

تلخيص  واستنتاج:

يمكن القول، إن مما تهدف إليه فلسفة الغيبة هو تصعيد العامل الماورائي في الطرح المهدوي، بمعنى أن اشتمال ذلك الطرح على وجود شخصية ذات بعد غيبي، قداسوي (الإمام المهدي(ع))، هي خاتمة سلسلة الأنبياء والرسل، وأوصيائهم، بهدف تحقيق مشروعهم في إقامة العدل في الأرض، وغياب تلك الشخصية لدهرٍ من الزمن؛ كل ذلك سوف يؤدي إلى الاسهام بقوة في إنجاح مشروع الظهور وأهدافه، من خلال الاستفادة من العامل الماورائي بأقصى مراتبه – باعتبار أن الطبيعة البشرية تتأثر إلى حدٍّ بعيدٍ بذاك العامل الماورائي، وتتفاعل معه لجهة الإعداد النفسي لتقبّل ذلك المشروع المهدوي، وإيجاد البيئة النفسية المساعدة على التفاعل البنّاء مع ذلك المشروع وأهدافه، وخاصة عندما يكون حدث الظهور مسبوقاً بذاك المستوى من البيان النبؤاتي، والفعل الإعجازي – غياب المهدي لمدة طويلة – ، مما يساعد على صدقية  الطرح، وقوة المشروع، وتحقّق مقاصده. وإن وجود  الإمام المهدي(ع) غائباً، وضرورة الإيمان به وبغيبته، يسهم في تقوية الحسّ الغيبي وتربيته الى مستويات بعيدة، وخصوصاً عندما تكون هناك منظومة من القيم والمفاهيم، التي تعمل على بناء ذلك الحس الغيبي وتعزيزه، بما يؤدي إلى تنمية إطار من الوعي الغيبي الهادف، والقادر على تحمل جميع الأزمات، وتجاوز جميع التحديات، والإصرار على المضي في حمل ذلك المشروع والتمهيد له. خصوصاً عندما يكون كل ذلك ممهَداً له، من خلال عملٍ فكري، وثقافي، وتربوي، وديني، عابر للملل والنحل، ولجميع الطوائف والمذاهب، وهادف إلى بناء الوعي المهدوي، بما هو وعي يقوم على فكرة حتمية انتصار العدل، وضرورة الخلاص الإنساني من الظلم والجور، وعلى محورية الأمل المفعم بالمستقبل، بأنه لن يكون إلا للمستضعفين والعاملين في سبيل ذلك الخلاص العدالتي، وعلى أن العدالة يجب أن تكون محور ذلك الإيمان، وعنوان ذلك الدين، وشعار تلك الدعوة، ومضمون ذلك الفكر، الذي يجب أن تلجأ إليه شعوب الأرض، وتؤمن به جميع الأمم، وتسعى إلى تحقيقه جميع الملل، لأنه القادم إليها بفعل المهدي، الحاضر بينها ومعها – رغم غيبته – . وهو ما يجب أن تلاقيه بجهدٍ منها، من خلال التمهيد للعدل بالعدل، وثقافته، ووعيه، وفكره، وقيمه. بما هو فكرة إنسانية قيمية، قد يجتمع حولها، ويؤمن بها جميع بني الإنسان.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

الإثنين 23 إبريل 2018 - 09:25 بتوقيت مكة