هكذا تكلم الشهيد محمد باقر الصدر عن المبعث النبوي الشريف

السبت 14 إبريل 2018 - 05:47 بتوقيت مكة
هكذا تكلم الشهيد محمد باقر الصدر عن المبعث النبوي الشريف

إنّ لكلّ أمّة ميلاداً، ولذكرى الميلاد أثرٌ عميقٌ في النفس. ويوم المبعث النبوي الذي هو نقطة انتقال في تاريخ الإنسانيّة هو يوم ولادتك أيّتها الأمّة المسلمة الجبّارة...

بسم الله الرحمن الرحيم

{قلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي }( يوسف/ 108)

يا أمّة الإسلام!!

يا شبيبة محمّد والقرآن!!

يا فتية المبدأ الطاهر الذي حمله أجدادنا فأناروا به العالم وأسعدوا به البشريّة الشقيّة، وأرشدوا الإنسانيّة التائهة وهدوها إلى معين للحياة لا ينضب وينبوع للعزّة والخير لا ينحصر!!

إنّ لكلّ أمّة ميلاداً، ولذكرى الميلاد أثرٌ عميقٌ في النفس. ويوم المبعث النبوي الذي هو نقطة انتقال في تاريخ الإنسانيّة هو يوم ولادتك أيّتها الأمّة المسلمة الجبّارة، ويوم انبثاق رسالتك الكبرى التي تحيين لها وتموتين، فما أحراك وقد أشرقت عليك ذكراه المقدّسة من جديد أن تلتفتي إلى الماضي الزاهر بالوحي، لتقتبسي من نور ذلك الوحي مشعلًا تحملينه بيدك، ومن تاريخك الجهادي في سبيل قضايا الحقّ والعدالة طاقةً على حماية ذلك المشعل وإنارة العالم به، وإقامة الحياة في هذا المجتمع على ضوئه وإشعاعه بعد أن تخبط في الظلمات مئات السنين.

إنّ الإسلام مسألة حياة أو موت للإنسانيّة كلّها.

وإنّ الإنسانيّة المنتهية إلى الإسلام في مستقبل قريب أو بعيد لا محالة ، عندما نؤمن بفشل تجاربها التي قامت بها في شوطها الطويل والطويل جدّاً الذي قطعته في سبيل تحقيق دين الحياة، وسوف تستمر فيه حتّى ترسو على شاطئ الإسلام، دين الطبيعة الإنسانيّة والحياة، فلتكونوا أنتم أيّها المسلمون أوّل من يرسو على هذا الشاطئ، ويقيم مجتمعاً إسلاميّاً يشعّ على العالم كلّه بمفاهيم العدالة والحقّ ويحقّق المعجزة التي عجزت عنها الإنسانيّة، فيحقّق للفرد كرامته، وللمجتمع حقوقه ولا يخنق في ذاك حريّته وطبيعته، ولا في هذا حياته [و] سعادته، فإنّ كلّ نظام لا يقوم على أساس التوحيد الخالص وشعب هذا التوحيد التي تشمل نواحي الحياة كلّها لا يمكن أن يحقّق ذلك كما يتّضح ذلك في كتاب سيصدر في النجف الأشرف باسم (فلسفتنا) إن شاء الله.

إنّ السفينة قد وجدت طريقها المهيع بعد أن أزال البطل اللواء عبد الكريم قاسم العقبات الاستعماريّة التي كانت تعترضها، فعلى الدعاة إلى الإسلام أن يعدّوا العابرين روحيّاً وفكريّاً لسكنى ذلك الشاطئ.

فالواقع أنّ عهد الأمّة الإسلاميّة بذلك الشاطئ السعيد قد بعد وطال جدّاً، وضعفت فيها الجذوة الروحيّة التي هي مزاج ذلك الشاطئ، وكادت أن تبتعد الأمّة عن مفاهيمه التي ترتكز عليها السعادة الاجتماعيّة في شاطئ الإسلام، منذ أن غزا الاستعمار بلاد المسلمين، وحمل إليهم أنظمته الماديّة التي لا موضع فيها لقيم الروح والأخلاق.

فيجب في هذه الساعة الحاسمة التي ولّى فيها عدو الإسلام الأوّل وهو الاستعمار أن نملأ أرواحنا وعقولنا بالإسلام، لنهيّئ أنفسنا للأجواء الفكريّة والاجتماعيّة التي تعمر ذلك الشاطئ المقدّس، وأن نستزيد من معلوماتنا عن رسالة الإسلام وخصائصها ومزاياها، لتقوى الأمّة الإسلاميّة على حملها كقيادة فكريّة للعالم.

إنّ الإسلام رسالة فكريّة ودعوة إنسانيّة عامّة لا تعرف حدوداً إلّا حدود الفكرة التي تبشّر بها، فالميزان هو الفكرة والأساس هو العقيدة.

وإذا راجعنا تاريخ الإسلام نتبيّن ذلك بوضوح من الدولة الإسلاميّة التي انبثقت عن هذا المبعث النبوي المقدّس، فإنّها دولة فكريّة قائمة على أساس مفهومها عن الحياة الذي يتلخّص في انبثاق الحياة عن خالق حكيم وفي ضمان سعادتها بتنفيذ نظامه ونيل رضاه. وكلّ من آمن بهذا المفهوم وإن كان جديد الإيمان كان يعتبره الإسلام فرداً في الدولة وقد يسلّم له زمام قيادة، وعهدة حكم، إذا كانت الفكرة عميقة في قلبه وعقله مع الغضّ عن سائر الاعتبارات الأخرى.

وليس معنى ذلك أنّ غير المسلم كان مهاناً في الدولة الإسلاميّة وكانت كرامته وحقوقه عرضةً للخطر، بل كان لغير المسلم القائم بواجبات المواطنة الإسلاميّة حقوقه وحرمته وكرامته وشأنه وحريّته في ممارسة أعماله الدينيّة والعقيديّة.

وقد بلغ حرص الإسلام على توفير الكرامة لغير المسلم من المواطنين وتطبيق العدالة التي لم تشهد الإنسانيّة لها نظيراً، أنّ خليفة المسلمين وجد يوماً درعه عند مسيحي من عامّة الناس، فأقبل به إلى أحد القضاة واسمه (شريح) ليخاصمه ويقاضيه، ولمّا كان الرجلان أمام القاضي، قال الخليفة: إنّها درعي ولم أبع ولم أهب. فسأل القاضي الرجل المسيحي: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين فقال المسيحي: ما الدرع إلّا درعي وما أمير المؤمينن عندي بكاذب، وهنا التفت القاضي إلى الخليفة يسأله هل من بيّنة تشهد أنّ هذه الدرع لك؟ فضحك الخليفة وقال: أصاب شريح ما لي بيّنة، فقضى شريح بالدرع للرجل المسيحي فأخذها ومشى، إلّا أنّه لم يخط خطوات قلائل حتّى عاد يقول: أمّا أنا فأشهد أنّ هذه أحكام أنبياء، أمير المؤمنين يدينني إلى قاضٍ يقضي عليه!! ثمّ قال: الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين وقد كنت كاذباً فيما ادّعيت.

وبعد زمن شهد الناس هذا الرجل المسيحي جنديّاً مسلماً وبطلًا مجاهداً في المعارك الإسلاميّة

إنّ دولةً هذه مفاهيمها تحتاج إلى ترويض روحي عظيم وبعث ديني شامل. فإلى هذه المفاهيم أيّها المسلمون لنصل إلى الشاطئ بسلام.

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «2» فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ «3»}.

المصدر: كتاب السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 14 إبريل 2018 - 05:39 بتوقيت مكة