شاركوا هذا الخبر

من الاسلام فوبيا إلى الشيعة فوبيا؛ لمصلحة من؟

يلاحظ في السنوات الأخيرة بروز العديد من المواقف والكتابات والمقالات من علماء دين وغيرهم، تحذر من التشيع ونشره والدعوة إليه في المجتمعات الإسلامية الأخرى التي تختلف مذهبياً عنه...

من الاسلام فوبيا إلى الشيعة فوبيا؛ لمصلحة من؟

الدكتور الشيخ محمد شقير

يلاحظ في السنوات الأخيرة بروز العديد من المواقف والكتابات والمقالات من علماء دين وغيرهم، تحذر من التشيع ونشره والدعوة إليه في المجتمعات الإسلامية الأخرى التي تختلف مذهبياً عنه، حتى يظن القارىء أو المستمع أن هناك عملاً ممنهجاً يهدف إلى تشييع السنة وتحويل مذهبهم إلى المذهب الشيعي، في مسعى يؤدي إلى إيجاد ظاهرة من الشيعة - فوبيا، توازي ما عمل عليه الغرب لصناعة ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتي كان يهدف من خلالها إلى تحقيق جملة من النتائج والمرامي على المستوى الاجتماعي والسياسي وغيره.

يتحدث وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر عن حرب المائة عام بين السنة والشيعة، على شاكلة الحروب الدينية التي حصلت في أوروبا بين الطوائف المسيحية على مدى مائة عام، فهل يشكل هذا الكلام جرس إنذار للعلماء والعقلاء من المسلمين عما يمكن أن يكون مبيّتاً لهم ويعمل عليه من أهداف لوصولهم إليها؟ هل يشكل هذا الكلام عامل ضبط لهم في كل ما يصدر عنهم من مواقف وكتابات و... والتي يترتب عليها العديد من النتائج التي تخدم هدف إشعال الحروب بين السنة والشيعة وغيرها من الأهداف.

وقبل الحكم على تلك المواقف والكتابات، لا بد أن نشير إلى جملة من النتائج التي يمكن أن تترتب على هكذا ظاهرة، وخصوصاً إذا ما تفشت بين المسلمين وفي مجتمعاتهم.

أما أهم تلك النتائج التي قد تترتب على صناعة تلك الظاهرة وما يصدر من مواقف وبيانات تتصل بها؛ ما يلي:

1-تعميق الانقسام بين المسلمين أفراداً ومجتمعات وأحزاباً ودول، وتعميم حالة من عدم الثقة بينهم، وإيجاد بيئة مساعدة على التفرقة والتنازع فيما بينهم، والإسهام في القضاء على أي مسعى يهدف إلى التقريب بين المسلمين وتأكيد أواصر الصلة بينهم، وهدم أي جهد يسعى إلى تفعيل قيم الوحدة بين المسلمين ومجتمعاتهم.

2-تهيئة البيئة على أكثر من مستوى اجتماعي ونفسي وسياسي وغيره لضرب المسلمين بعضهم ببعض ولزرع بذور الفتن بين المذاهب الإسلامية، وإذا أمكن لهم أيضاً، إشعال نار الحروب بين تلك المذاهب والفرق، وخصوصاً إن العديد من المسلمين سواءً في علمائهم أو عامتهم، أو قادتهم السياسين أو الدينيين، أو في منابرهم الإعلامية وغيرها، لديهم القابلية لذلك، وهم مستعدون أن يكونوا لساناً على أنفسهم، ويداً لضرب وحدتهم، إما بسبب من جهل، أو نقص في وعي، أو عصبية تغلغلت في نفوسهم، وخضعت لها عقولهم، فهم عنها يصدرون، وبما فغرت به ينطقون.

3-أليس من مصلحة العديد من الجهات كالصهيونية وغيرها، إشغال المسلمين بأنفسهم عن التطلع إلى القضية الأم قضية فلسطين، أليس من مصلحة تلك الجهات إلهائهم بحروب ونزاعات داخلية عن العمل لتحرير القدس وإعادة الحقوق إلى أهلها ففيما لو صدق المسلمون تلك الترهات، وانشغلوا بسجالاتهم ونزاعاتهم، وأهدروا طاقاتهم في تحديد جنس الملائكة، فكم يحتاجون من السنين للإنتهاء من ذاك الجدل؟ فلهم أكثر من ألف عام وما انتهوا، وبذلوا أوزاناً من المداد وما خلصوا! أليس في ذلك مصلحة إسرائيل، أن ترى المسلمين منشغلين عنها، وهي تستمر في تثبيت أركانها، وتوسيع استيطانها وغصب الحق وقضم الأرض.

4-ألن يكون من مصلحة المشاريع الاستعمارية من غربية وغيرها ضرب المسلمين بعضهم ببعض، حتى تفتح الأبواب شرعاً أمام تدخلاتهم ومصالحهم وهيمنتهم، وحتى يسعى كل طرف من المسلمين إلى الاستعانة بهذا الطرف الغربي أو ذاك للاستقواء به على أخيه في الدين أو الوطنية، ليكون هذا العون لقاء جملة من المطالب والمصالح والشروط، التي لن تستثني وضع اليد على الثروات والقرار السيادي وتضييع المصالح الوطنية والقومية..؟ كل هذا لقاء ماذا، ومن أجل ماذا؟ صولات وجولات وحروب مصطنعة لا جدوى فيها ولا طائل منها، لا تخدم دنيا ولا  تعبر عن دين، أشعل جذوتها جهل جهال، وأوقد نارها أضاليل ضلال، وهم يحسبون أنهم ينتصرون للمذهب والدين، في حين أنهم ينصرون عصبياتهم، ويعبرون عن أهوائهم، والدين براء من كل هوى أو عصبية.

5-ألا يؤدي كل ما تقدم إلى ضرب كل عناصر القوة في مجتمعاتنا الإسلامية، ألا يؤدي ما ذكر إلى إضعاف كل مكامن القوة في بلادنا الإسلامية؟ لأنه من المعلوم أن السنة والشيعة موجودون في مختلف البلاد الإسلامية، وأن الفتنة فيما لو اشتعلت نارها، قد تمتد إلى مجمل تلك البلاد والمجتمعات؛ فهل سيبقى عندها أي عامل من عوامل القوة في مجتمعاتنا الإسلامية، وخصوصاً ما يتصل منها بالوحدة الإسلامية وقيمها وثقافتها! هل يعقل دعاة الفتنة ماذا سيكون حال المسلمين، وماذا سيحل بهم فيما لو حصل هذا المحذور ؟ لاسمح الله.

إنه من المعلوم، لو حصل هذا الصراع المذهبي، وضرب المسلمين في مجتمعاتهم وبلادهم، سوف تكون أضراره أكثر من أي حرب شنها الاستعمار أو الصهيونية على بلادنا لأنه سوف يتحول إلى نوع من التدمير الذاتي لتلك المجتمعات، وهذا ما يعمل عليه أعداء الأمة ومن يريد بها شراً.

6-إن من الأهداف التي يمكن أن تترتب على تلك الظاهرة (شيعة- فوبيا) منع أي تعاون بين القوى المقاومة لإسرائيل في جناحيها السني والشيعي، والإضرار بما هو موجود منه، ومنع أي تعاون يمكن أن ينشأ بين الدول الإسلامية، يكون محوره نصرة فلسطين وتحرير القدس، بل ومناهضة المشروع الاستعماري على مستوى المنطقة.

من المعلوم أنه توجد دول إسلامية ذات ثقل استراتيجي في المنطقة، وأنه فيما لو حصل تعاون وثيق بين هذه الدول، فسوف يكون ذلك في خدمة قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين، ومناهضة المشروع الاستعماري، وهذا ما لا تريده كل القوى المتضررة من ذاك التعاون والتقارب.

7-إن ما يمكن أن يترتب على تلك الظاهرة- فيما لو نجحت- هو حصول ردات فعل متجانسة مع تلك الظاهرة، تعزف على الوتر نفسه، لكن هذه المرة تحت عنوان: سنة - فوبيا، وخصوصاً أن الأسباب الموجبة والعوامل المساعدة موجودة، كما في الشيعة - فوبيا، لنصبح أمام ظاهرتين غير سويتين تعملان على تدمير المجتمعات الإسلامية، وتسببان بالكثير من الخسائر والأضرار على أكثر من مستوى وصعيد.

إن العمل على صناعة الشيعة - فوبيا سوف يؤدي إلى استيلاد السنة- فوبيا، والعكس صحيح أيضاً؛ ولذلك ينبغي العمل على استئصال أي خوف مرضي بين السنة والشيعة، بل وجميع المسلمين باستئصال أسبابه، وذلك منعاً من جميع النتائج الكارثية التي قد تترتب عليه.

8-ثم ماذا عن اللحمة الاجتماعية بين السنة والشيعة والتي تتجلى في أبعاد مختلفة؛ ألا يوجد الكثير من الزيجات المختلطة بين السنة والشيعة، ألا توجد العديد من العائلات التي يتوزع أبناؤها بين السنة والشيعة، ألا توجد العديد من القرى أو الأحياء أو المجتمعات أو العشائر... التي يختلط فيها السنة مع الشيعة؟

ماذا سيحصل لهؤلاء فيما لو سمحنا للشيعة فوبيا أو السنة فوبيا أن تتغلغل بينهم، وأن تعشعش في نفوسهم، كيف ستكون العلاقة بين الزيجات والأقارب والجيران والمعارف والأصدقاء... فيما لو طغت الأوهام والمخاوف والهواجس على العلاقات فيما بينهم؟ هل يدرك دعاة الفوبيا ما الذي يفعلونه بهؤلاء؟ هل يعقل مروجو التفرقة أي أثر يحدثونه، وما الذي يترتب على كلامهم من تدمير لتلك اللحمة الاجتماعية ومن تخريب للعلاقات الطيبة بين المسلمين؟

9-وماذا عن اللحمة الوطنية في كثير من المجتمعات والبلدان التي تختلط وتتداخل مذهبياً بين السنة والشيعة، حيث يتواجدون معاً، ويعملون معاً في مختلف المؤسسات الوطنية والإدارت الحكومية ويعيشون جنباً إلى جنب في مختلف الميادين والساحات؛ ما الذي سيحصل بجميع هؤلاء فيما لو سيطرت الأمراض النفس- اجتماعية وال(فوبيا) على علاقاتهم ونظرتهم لبعضهم البعض، هل يستقيم بعدها أمر تلك المؤسسات الوطنية، وهل يمكن عندها أن يرتفع للدولة بناء؟

10-وماذا عن الجنوح إلى العصبيات والمذهبيات الذي تسببه تلك الفوبيا المذهبية، وتتغذى منها في الوقت نفسه، ألم يأتِ الإسلام لإزالة العصبيات مهما تعددت مظاهرها؟ أليست العصبية عمى؟ هل يبقى لمن أعمته العصبية أية قدرة على فهم الكتاب كما أنزله الله، والنطق بمعانيه كما أرادها؟

أين تلك الآيات التي تدعو إلى عدم التفرقة والتنازع، وإلى الإلفة والصلح والأخوة والوحدة...؟ لماذا لا يراها ذو عصبية؟

إن من أخطر الأضرار التي تؤدي إليها تلك الفوبيا، أنها تعمي وتصم الكثيرين عن وعي المفاهيم الدينية ذات المضمون الوحدوي والتقريبي والتعايشي والحواري... وأنها تدفع إلى محاولة تقديم تفسير للدين ينسجم وصوت العصبية ونداء الجاهلية.

  • محصلة وتوصية:

ليس من المستبعد أن تلك الجهات التي عملت على الترويج للإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية لأهداف لا تخفى على ذي لب، هي نفسها تعمل على الترويج للشيعة - فوبيا أو السنة فوبيا في المجتمعات الإسلامية، وذلك للأهداف التي ذكرنا وغيرها من أهداف أخرى؛ يلاقيها في ذلك العديد من أبناء المسلمين في إعلامهم أو مواقفهم أو مسلكهم... بما فيهم قياداتهم الدينية والسياسية، حيث ضرر هؤلاء أكبر من أي ضرر وأثرهم أمضى من أي أثر.

إن من يقرأ الدين، ويتمعن في حقيقة الإسلام، يصل إلى هذه النتيجة بوضوح، أنه أتى لكنس العصبية من النفوس، ولكن الذي تفعله هذه الفوبيا المذهبية، أنها تحيي العصبية أيما إحياء، وأنها تعيدها بقوة إلى النفوس، لكن هذه المرة بمبررات مذهبية ودعوة دينية.

إن من يتمعن بوعي في النتائج والأضرار التي تخلفها تلك الفوبيا المذهبية لا يبقى له أي شك في كونها تتنافى مع أهداف الدين ومفاهيم الإسلام وحقائق القرآن، وأنها تخدم أهداف من أراد بهذه الأمة سوءاً نوى لها شراً، وأنها تساعد مرامي أعداء الدين والإنسانية في المنطقة بل والعالم.

إن من كان له أدنى حظ من عقل أو دين، وتجرد من عصبيته، وكبح جماح مذهبيته، سوف يدرك أن ليس من مصلحة الأمة – كل الأمة- أن يعمل على إنتاج هذه الفوبيا لما تخلفه من أضرار وكوارث على صعيد جميع المجتمعات الإسلامية.

ولا بد من الإشارة إلى أن البعض ممن يعمل على تعميق تلك الفوبيا؛ يعمد إلى استغلال أي خطأ، أو تضخيم أية حادثة، أو المبالغة في أية قضية، لبلوغ أهدافه والوصول إلى مراميه، ولإقناع السنة أو الشيعة أنهم مستهدفين في مذاهبهم، وذلك من خلال توظيف أية مفردة للإيحاء أن هناك عملاً ممنهجاً بهذا الاتجاه أو ذاك.

وعليه لا بد أن يعمل في اتجاهين:

الأول: الحرص على عدم ارتكاب أي خطأ سواء من قبل السنة أو الشيعة، يمكن أن يستخدم كذريعة لتعزيز هذه الفوبيا المذهبية بينهم، سواء في إعلامهم أو مواقفهم أو تعاملهم.

الثاني: تعزيز ثقافة الوحدة والعمل على تكريس ثقافة الاختلاف والقبول بالآخر والتعامل مع المختلِف وتأكيد قيم الحوار والإلفة والأخوة ومعاني العيش المشترك والتعاون على البر والتقوى بين المسلمين بل بين جميع الأديان وأبناء الوطن.

أهم الأخبار

الأكثر مشاهدة