‌‌‌الوحـدة‌ الاسلامية ... واقع و ضرورة

السبت 2 ديسمبر 2017 - 14:43 بتوقيت مكة
‌‌‌الوحـدة‌ الاسلامية ... واقع و ضرورة

التفرق يوزع‌ القوى‌،فـشخص‌ يـبني و شـخص يهدم،و شخص يهاجم و آخر يدافع،أما الوحدة فتجمع القوى،و توجد التعاون بين الأفراد‌ لبلوغ الغـايات و تسنّم أرفع الدرجات...

الأستاذ حسن عبد اللّه

التفرق يوزع‌ القوى‌،فـشخص‌ يـبني و شـخص يهدم،و شخص يهاجم و آخر يدافع،أما الوحدة فتجمع القوى،و توجد التعاون بين الأفراد‌ لبلوغ الغـايات و تسنّم أرفع الدرجات،و التفرق إمارة من إمارات عدم النضوج،فإن العقل‌ الناضج يـلازمه عادة حب‌ الإنصاف‌،حـتى إذا طـرح شيئا للبحث و كانت هناك عقول ناضجة و اتجاه للحق لا تصده الأهواء،لا يلبث الحق أن يظهر مشرقا أبيض الوجه،و لا يلبث الخلاف أن يزول. و بنظرة ذات موضوعية نرى‌ أن الإسلام قد عمل على الوحدة، و ذلك من خلال التأمل فـي جميع مظاهره و تكالىفه حيث نجده يرمي إلى الوحدة،ذلك لأن الوحدة أساس الإصلاح في الحياة الدنيا،و أساس العزة و السلطان.

مفهوم الوحدة من خلال الكتاب و السنة:

من الأمور المسلمة لدى جميع المذاهب الإسـلامية،ان الكـتاب و السنة يعتبران مصدرين أساسيين للأحكام و التشريع الإلهي،و بناء على ذلك فإننا سوف نبرز الآيات‌ القرآنية‌ الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة التي تشير الى الوحدة و الإتحاد بين أفراد الأمة. فقد رسم لنا الإسلام العـظيم نـمطا من العلاقة بين المؤمنين يفوق أي لون من ألوان المنفعة الدنيوية‌ و المصلحة‌ الخاصة و يجعلها للّه سبحانه و تعالى فقط.

و بذلك فهو يحفر مجري من التفكير الإيجابي عند الإنسان المسلم بحيث يجعله منشدا الى الآخرين.بـشكل أو بـآخر...و من دون حض أو دفع‌ لأن‌ يمارس‌ التقارب مع الآخرين. و أنماط العلاقة‌ التي‌ رسمها‌ سبحانه بين أفراد الأمة الإسلامية هي:

أولا:التسامي:

القرآن الكريم يصور هذه العلاقة بقوله:

{و الذين جاءوا من بـعدهم يـقولون ربـنا اغفر‌ لنا‌ و لا‌ خواننا الذين سـبقونا بـالإيمان و لا تـجعل في قلوبنا‌ غلا‌ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(1)

و يقول النبي(ص):"ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن:اخلال العمل للّه، و مناصحة ذوي‌ الأمر‌،و لزوم‌ جـماعة المـؤمنين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم". و قيل أن معنى‌ قـوله:-لا يـغل عليهم قلب مؤمن-أي لا يكون معها في قلبه غش و دغل و نفاق...فإنه يجعل ذلك‌ من‌ الضغن‌ والشحناء أي لا يدخله حقد يـزيله عـن الحـق‌(2).

و للغل في نفس‌ الإنسان‌ دافعان أساسيان هما:

أ-نتيجة لحالة الإهـتزاز الداخلي لنفسية الإنسان جراء إصابتها بمرض معين مما يجعلها تقلب‌ مقاييس‌ البصيرة‌ فتجعله يفقد قدرة الرؤية الواضحة السـليمة لأفـراد المـجتمع و خاصة من يتقدم عليه‌ في‌ المستوى‌ و يفوقه في شيئ كالحسد..و دافـعه فـي ذلك سوء الظن.

و هذا النوع من السلوك ليس‌ إسلاميا‌ لا‌ في المنطلقات و لا يفي النتائج..و ليس مقبولا عند الأمـة و صـاحبها أسـاسا يعرف في المجتمع‌ بأنه‌ مريض بحاجة الى علاج،يقول عنهم تعالى:{في قـلوبهم مـرض فـزادهم اللّه مرضا‌}(3) و في موضع آخر:{لهم‌ قلوب‌ لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها}(4)

ب-و قد‌ يـكون‌ الدافـع نـتيجة للتفاعل العملي في داخل المجتمع و ما يفرزه الأخذ و العطاء من سلبيات‌ ناتجة‌ من‌ بـعض التـصرفات الفاقدة للحكمة و النية السليمة و التي تقابلها ردة فعل لتلك التصرفات.

و هذه الحالة هي‌ الأخـرى غـير مـسموح بها لأنها تنمو و تعشعش في نفسية الإنسان المسلم كفرد عادي‌ أو‌ جماعة‌ و قيادة..لأن تركيبة البـنية الفـكرية لشخصية الإنسان المسلم تركيبة تغييرية و طبيعة المغير طبيعة إيجابية في‌ تعاملها‌ مع‌ الأحـداث..و إلا سـتعجز عـن أداء أية مهمة بسيطة أم كبيرة يقول سبحانه‌ و تعالى‌: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عـداوة كـأنه ولي حميم}(5)

و يقول عليه أفضل الصلاة‌ و السلام‌:"أمرت بمداراة الناس كما أمرت بـتبليغ الرسـالة."(6)فـهي قدرة للتجاوز على السلبيات‌ و عدم‌ ترتيب الأثر على السيئات و محاولة جادة و صادقة‌ لاحتضان‌ الآخرين‌ كـل بـحسب دائرتـه.فليس الكل قادر أن‌ يصبح‌ معك 100%و لكن ليس الكل ضدك 100%فما بـين هـذين الحدين يتمكن الإنسان‌ من‌ احتضان الآخرين. و إذا فقد الإنسان‌ المسلم‌ كفرد و جماعة‌ أو‌ قيادة‌ مؤهلات احتضان الآخرين فـسيبقي وحـيدا،و هذا‌ ليس‌ من الإسلام بشي‌ء.

ثانيا:الرحمة:

و بديهي فإن من يتجنب أن يـضع فـي‌ قلبه‌ شيئا على أخيه المؤمن فإنه لا‌ يـجد حـرجا فـي أن‌ يفتح‌ قلبه للآخرين و يبرز هذا الحـب‌ لأخـيه‌ المؤمن.كمثل قوله سبحانه و تعالى:{أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}(7) و كذلك {أشداء على‌ الكـفار‌ رحـماء بينهم}(8) و يقول الرسول الأكرم‌(ص):"الراحـمون‌ يـرحمهم‌ الرحمن يـوم القـيامة‌." (9)

وحـب‌ الآخرين و التودد اليهم و قضاء‌ حوائجهم‌ لا تـعرف له حـدود الزمان و المكان و الإنتماء العائلي و القبلي.. و كذلك تتجاوز الأطر السياسية و الإرتباط‌ بالهياكل‌ ذات الأطـر المـحورية في داخل المجتمع‌و تطفر‌ على الوسـائل‌ البشرية‌ لتحقق‌ الأهداف الربـانية فـي جعل‌ الكل تحت مظلة التـعامل الربـاني في أن الناس أمة واحدة. مثال قوله عز و جل:{إن‌ هذه‌ أمتكم أمة واحـدة و أنـا ربكم فاعبدون‌}(10)

كذلك‌ ليس‌ فـي‌ الإسـلام مـعاملة لأبناء‌ تجمعك‌ و مـحورك تـفضلهم بها على الآخرين. فـالكل عـباد اللّه و الكل مؤمنون تنطبق عليهم المواصفات الإيمانية التي يجب‌ أن‌ ينظر‌ اليهم بها نظرة واحـدة.

صـحيح هناك ميل‌ عند‌ الإنسان‌ لبعض‌ أتـرابه‌ و يـفضلهم‌ على ضـوء هـذا الحـب القلبي...و الكلام هنا ليـس داخل في الميل القلبي لأن ذلك ليس مما يحاسب عليه و لكن ترتيب الأثر العملي في داخل المـجتمع..هـذا ماتقف‌ أمامه الشريعة..لأن الناس سواسية فـي التـعامل و فـي الحـقوق و الواجـبات.

ثالثا:الإصلاح:

و لمـا كـان الإيمان هو الجامع المشترك بين أفراد الأمة و هو الذي يخلق بينهم حالة الأخوة لذلك يدعو سبحانه‌ للإصلاح‌ بـينهم و تـفويت الفـرصة على المتربصين بالأمة فيقول سبحانه:{المؤمنون أخـوة فـأصلحوا بـين أخـويكم}(11).و نـجد القـرآن الكريم يجعل الإصلاح من النفحات الربانية المقرونة بالتقوى..فيقول تعالى:{فاتقوا اللّه و أصلحوا‌ ذات‌ بينكم}(12)و في أخرى يجعلها من الأعمال التي يؤجر عليها سبحانه:"لاخير في كثر مـن نجواكم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو‌ إصلاح‌ بين الناس و من يفعل ذلك‌ ابتغاء‌ مرضات اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما}(13)و قد تأخذ حالة الإختلاف الى حد تجميع القوى و شحذ الأسلحة و القتال حتى في هـذه الحـالة لا بد‌ من‌ إصلاح ما وقع من‌ اختلاف‌ و تسوية الأمر بينهم بشكل لا يكون على حساب القيم و المقدسات،و إلا ففي هذه الحالة فإن الصلح سيكون نكسة على الأمة و تعميق الإنشقاق الداخلي بـينهم:{و إن طـائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا‌ بينهما‌ فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ الى أمر اللّه فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إن اللّه يـحب المـقسطين}(14)و نجد النبي(ص)يكرس هذا المـفهوم فـي‌ أحاديثه‌ و سلوكه بشكل‌ يشكل لنا نبراسا في القيام بهذه المهمة العظيمة من أجل تسوية مسيرة المجتمع نحو اللّه تعالى فتراه‌ يقول:"ألا أخبركم بأفضل من درجـة الصـيام و الصلاة و الصدقة.اصلاح ذات‌ البـين‌،فإن‌ فساد ذات البين،هي الحالقة."(15)فالحالقة نتيجة طبيعية للإختلاف و التشتت التي تنتشر في داخل المجتمع إذا ‌‌فقد‌ المجتمع المقربين الممسكين لهم من التشرذم. و لما كان خلق المجتمع الواحد الخال من‌ التـناحر‌ هـو‌ مرام كل مؤمن و غاية كل مسلم، فإن الإصلاح هو الطريق الأقصر لذلك..و في الوقت ذاته‌ فإن نمو الروابط الأخوية بين المجتمع هي سعادة الإنسان التواق الى اللّه سبحانه‌،و هذا كذلك لا يتم‌ إلا‌ في إصـلاح الأمـة.إن الأخوة الإسـلامية كأفراد أو محاور لا تضاهيها أية أخوة أخرى من حيث انشداد البعض للآخر نفسيا و جسديا لأنهم يتطلعون لأوامر اللّه تـعالى الذي يقول:"إن اللّه يحب‌ الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص."(15) و يـقول رسـول اللّه(ص):"مـثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى."(17)

الوحدة‌ واقع‌ و ضـرورة:

‌إن المـراد من الوحدة هو أن يصبح المسلمون يدا واحدة على من سواهم من الأعداء لا جـهاض أهـدافهم الخـبيثة،و من تعريف للعلامة الشهيد الأستاذ مرتضى المطهري مفهوم الإتحاد و الوحدة‌ نورده‌ هنا لبيان معنى الوحـدة بشكل واضح و جلي حيث يقول:"من البديهي أن مراد العلماء المفكرين المسلمين من الوحـدة الإسلامية هو ليس صـهر المـذاهب المتعددة في مذهب واحدة أو الأخذ‌ بنقاط‌ التقاء المذاهب المختلفة و ترك نقاط اختلافها، حيث أن ذلك ليس معقولا و لا منطقيا و لا مطلوبا و هو بالأساس غير عملي،و إنما مرادهم يكمن بضم المسلمين في صف واحد لمواجهة عـدوهم‌ المشترك‌".

فمن‌ البديهي القول أن العدو المشترك‌ للمسلمين‌ كافة‌ هو ذلك الإستكبار الذي يقوم بدور استراتيجي في تحطيم وحدة الأمة و مؤسساتها الإجتماعيد من تجمعات و قوى و ذلك بالعمل على تحريك أصابعه‌ و طابوره‌ الخامس‌ على خلق جـو سـلبي بين هذه القوى و محاولة‌ تكبير‌ هذه السلبيات بشكل تتراءى معه استحالة التقارب من طرف تجاه الطرف الآخر...و كذلك يعمل على زرع شياطينه في داخل‌ هذه‌ القوى‌ لتقوم بدورها في تفشيل أي عـمل إيـجابي يهدف منه التقارب و‌ التلاحم حتى لو أدى ذلك الى القتل و الدمار و التخريب حتى بنفس العمل نفسه.و بطريق ثالث هو استغلال الحالة‌ السلبية‌ القائمة‌ بين المحاور و محاولة استعمالها كأداة لنشر الشائعات المريضة و نقل الأخـبار مـن‌ طرف‌ لآخر بشكل مرتب و ذكي خاصة إن هذا الوسط قابل لأن يجير نفسه للعمل السلبي من دون‌ النظر‌ الى‌ الوراء لمعرفة من يقف وراء هذا العمل و لمصلحة من و الى أين يسير‌..ما‌ دام‌ يـرضي طـموحه الشـخصي و يحقق غضبه على الكل..؟ و مـن هـذا المـنظور نجد أن مشروع الوحدة‌ الإسلامية‌ اليوم‌ يزداد أهمية أكثر من ذي قبل و بخاصة أن الإستكبار و أتباعه من الطواغيت ينظرون الى‌ الأمة‌ الإسلامية باعتبارها أمـة واحـدة تـهدد مصالحهم و مخططاتهم و ذلك من خلال:

أ-وحدة المبدأ التي‌ تـعتنقه‌:

و هـو‌ الإسلام حيث يمثل ضمير وحدتها و عمق إيمانها..و كل القشور تتساقط ليظهر لبه..و كل الخلافات‌ الجانبية‌ هي الأخرى لا تمثل الحـقيقة التـي تـتمحور حولها الأمة و ستزول ليظهر الإسلام وحده‌ من‌ دون‌ تعقيبات..و تـعود الأمة في مواجهة الطواغيت..و الذي لا يقوم بهذه المهمة ليس من الإسلام بشيئ.

ب-وحدة‌ المصالح و المصير:

مادامت الأمة معتنقة لمـبدئها فـتحكمها وحـدة المصالح في شتى المستويات‌ و إذا‌ ما‌ تنازلت عنه فسيقترب منها الطواغيث حـيث انـسلاخها يمثل لهم منفعة.و ما نراه اليوم من تودد‌ الدول‌ الكبرى‌ من بعض الدول الإسلامية و محاولة دفعها الى الأمام اقـتصاديا و سـياسيا و عـسكريا أمام‌ الدول‌ الأخرى، ما هو إلا مكر منه لاظهار القدرة أمام الآخرين،كما فـعلوا بـشاه إيـران جعلوه أكبر‌ قوة‌ عسكرية في المنطقة لابتعاده عن الإسلام و قيامه بحماية مصالحهم،و لكن بـعد الثـورة‌ الإسـلامية‌ المباركة،نشاهد كيف قاموا بالوقوف أمامها و ذلك‌ بمحاولة‌ الإطباق‌ عليها و إغلاق كافة المنافذ و مـحاصرتها..فـالأمة ذات‌ مصلحة‌ واحة في التقدم،و لا يمكن أن تنفك الواحدة عن الأخرى و مصيرها في مـواجهة‌ الطـواغيت‌ و ان اخـتلفت ألوانه و أشكاله أو‌ تأخرت‌ في بعض‌ البلدان‌ و سبقتها‌ أخرى فالمسألة وقتئذ ليست أكثر من‌ زمـن‌. فـلذلك فإن الأمة الإسلامية يحكمها مبدأ واحد و تلفها مصالح حياتية واحدة و ينتظرها‌ مصير‌ واحـدة أمـام المـستكبرين.

الثورة الإسلامية المباركة‌ و دورها في إحياء "دار‌ التقريب‌ بين المذاهب الإسلامية":

لمحة تاريخية‌ عن‌"جماعة التـقريب بـين المذاهب":

بدأت جهود جماعة التقريب بين المذاهب في وقت مبكر‌ من‌ هـذا القـرن، إلا أنـها لم‌ تستمر‌ و تركت‌ وراءها إرثا طيبا‌ يحمل‌ الجهد العلمي الذي بذل‌ في‌ هذا الباب و هو مـحفوظ فـي أعـداد نشرة رسالة الإسلام التي كانت تصدرها بمقرها الكائن‌ آنذاك‌ في القاهرة و هـي تـضم دراسات جيدة‌ لعلماء‌ مسلمين من‌ مختلف‌ المذاهب‌ بشأن مسألة التقريب. كما‌ أن عددا من الشخصيات المرموقة فـي العـالم الإسلامي أيدت و اعتنقت دعوة هذه الجماعة و آزرتها الى‌ أبعد‌ الحدود من هـؤلاء فـي محيط الشيعة‌ الإمام‌ الأكبر‌ البروجردي‌ من‌ قـم و كـان رضـي‌ اللّه‌ عنه المرجع الأعلى الشيعي و الإمام مـحمد الحـسين آل كاشف الغطاء كبير مراجع النجف الأشرف بالعراق و الإمام‌ السيد‌ عبد‌ الحسين شرف الديـن أعـظم مراجع الشيعة في‌ لبنان‌ و الإمـام‌ السـيد‌ صدر‌ الديـن‌ الصـدر مـن مراجع التقليد بقم و غيرهم رضوان اللّه عليهم أجـمعين.و من هؤلاء في محيط أهل السنة الإمام الشيخ عبد المجيد سليم شـيخ الأزهـر و المرجع الأعلى للإفتاء و أفقه‌ فقهاء عـصره،و الشيخ الإمام مصطفى عـبد الرزاق و الإمـام الأكبر الشيخ محمود شلتوت صـاحب الفـتوى الشهيرة المتعلقة«بجواز التعبد بمذهب الجعفرية المعروف بالإمامية الإثنا عشرية و اعتباره مذهب كـسائر مـذاهب أهل السنة‌."حيث‌ يتحدث بـشأن فـتواه قـائلا:«و هي تلك المـسجلة بـتوقيعنا في دار التقريب التي و زعـت صـورتها الزنكوغرافية بمعرفتنا،و التي كان لها ذلك الصدى البعيد في مختلف بلاد الأمة الإسلامية، و قرت بـها‌ عـيون‌ المؤمنين المخلصين الذين لا هدف لهم إلا الحـق و الإلفـة و مصلحة الأمـة. و ظـلت تـتوارد عليّ الأسئلة و المشاورات و المـجادلات في شأنها و أنا مؤمن بصحتها،ثابت‌ على‌ فكرتها أؤيدها في الحين بعد‌ الحين‌ فيما أبـعث بـه من رسائل للمستوضحين،أو أرد به على شـبهة المـعترضين،و فـيما أنـشئ مـن مقال ينشر،أو حـديث يـذاع،أو بيان أدعو به‌ الى‌ الوحدة و التماسك و الإلتفاف حول‌ أصول‌ الإسلام،و نسيان الضغائن و الأحقاد،حت أصبحت و الحـمد للّه حـقيقة مـقررة،تجري بين المسلمين مجري القضايا المسلمة بـعد أن كـان المـرجفون فـي مـختلف عـهود الضعف الفكري،و الخلاف الطائفي،و النزاع السياسي يثيرون‌ في‌ موضوعها الشكوك و الأوهام بالباطل".

دور الثورة الإسلامية في إحياء"دار التقريب":

لقد انتعشت فكرة الوحدة إبان الثورة الإسلامية،و الروح الثقافية التي سـادت بعد نجاحها،بطرق مباشرة و غير مباشرة،نتيجة ثبوتها‌ و توطد‌ أركانها في‌ الحكم،و أصبحت الوحدة الإسلامية التي ظهرت الى الوجود نتيجة لتنامي العواطف الإسلامية عاملا أعظم على إثارة مشاعر‌ الوحدة و قد أدرك أصـحاب النـظرات السياسية على السواء هذه الحقيقة. و راح‌ الساسة‌ الإمبرياليون‌ يعملون على عرقلة الإتجاه الوحدوي و كشف مقوماته الفعلية...

و من كلمات الإمام الخميني«قدس سره»-مفجر النهضة الإسلامية‌ و ‌‌باني‌ صرح الدولة الإسلامية الأصـيلة فـي إيران،قالها بعد وصوله الى باريس إجابة على‌ سؤال‌ يتعلق‌ بأصول الثورة قال:"إن السبب الذي قاد المسلمين الى سنة و شيعة يوما مالم يعد قائما‌..و كلنا مـسلمون..هـذه ثورة إسلامية...نحن جميعا إخـوة فـي الإسلام".

و في حديث له‌«قدس سره»لائمة الجمعة‌ بتاريخ‌ 17/ربيع الأول/1402 هـ عن الوحدة و مضمونها و ما يعترضها من عراقيل و معوقات تقف بوجه طريق الوحدة نـتيجة لمـؤامرات الأعداء و مخططاتهم الخبيثة،و مـا يـنبغي عمله للحؤول دون تنفيذ هذه الدسائس البغيضة‌ حيث يقول:«إن الدعوة الى الإسلام تعتبر في الحقيقة دعوة الى الوحدة و هي تعني أن يكون المسلمون مجتمعين معا حول كلمة الإسلام".و لكن،كما تعلمون،فإن«الأعداء»و قـفوا أمـام تحقيق هذه‌ الوحدة‌،و بالأخص في العصور الأخيرة حيث ركزوا كثيرا على نقاط الخلاف و عملوا على تعميقها،و ذلك لأن خبراءهم و مفكريهم كانوا قد أدركوا مسألة أنه لو تقارب المسلمون بجميع طبقاتهم و طوائفهم، و شكلوا مـعا‌ مـجتمعا‌ إسلاميا عـظيما فحين ذاك لا تستطيع أية قدرة أن تواجههم،أو أن تفرض هيمنتها عليهم...لذا كان الخيار الوحيد أمام هؤلاء الأعداء للوصول الى أهدافهم الخـبيثة،هو تعميق الخلافات‌ بين‌ مجاميع المسلمين و تفريق كلمتهم".

و كما أسلفنا سـابقا إن جـهود جـماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية قد بدأت منذ مطلع هذا القرن إلا أنها لم تكمل مسيرتها حتى النهاية و إن كانت‌ شـقت‌ ‌ ‌الطـريق‌ لعمل قادم جاد.و قد أخذت‌ الجمهورية‌ الإسلامية‌ في إيران و ذلك من خلال قيادتها الإسـلامية الرشـيدة على عاتقها إحياء تلك الجهود بغية تحقيق التقارب بين الفرق الإسلامية المختلفة بعضها‌ من‌ بعض‌ و لايـجاد التفاهم بينها و بالتالى الوصول الى الهدف الأسمي‌ و هو‌ الإتحاد و الوحدة...و في لقاء ضيوف«مـؤتمر الوحدة الإسلامية الثالث»و عـلماء أهـل السنة و الشيعة من داخل الجمهورية الإسلامية و خارجها مع‌ ولي‌ أمر‌ المسلمين آية اللّه السيد على الخامنئي في 15/ ربيع الأول‌/1410 هـ،أعلن سماحته عن طرحه لشعارات الوحدة الإسلامية في الميدان العملي حيث قال:"إن الجـمهورية الإسلامية تعلن‌ استعدادها‌ لتشكيل‌«دار التقريب بين المذاهب»و استضافة الشخصيات العلمية الإسلامية لايجاد مزيد من‌ الوحدة‌ و الإنسجام و التآلف بين المسلمين و التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة عن طريق البحوث الكلامية و الفقهية بين العـلماء‌ و المـفكرين‌ في‌ العالم الإسلامي..و لما كانت الوحدة و التقارب بين المذاهب الإسلامية لفائدة المسلمين و سبيلا‌ الى‌ عظمة‌ الإسلام،علينا أن نعلم و اثقين أن أعداء الإسلام يبذلون قصارى جهودهم و يحيكون أكثر المؤامرات‌ تعقيدا‌ ضد‌ هـذه الوحـدة..إذا تم التباحث بصورة فقهية و علمية حول الكثير من فتاوى علماء و فقهاء‌ الإسلام‌،فإنه سيصبح من الممكن أن تتقارب تلك الفتاوى بعضها من البعض الآخر‌ و لذلك‌ فإننا‌ ندعو لتأسيس«دار التـقريب بـين المذاهب»و إننا مستعدون لاستضافة الشخصيات العلمية من مختلف أنحاء‌ العالم‌ الإسلامي لكي تضع و عبر الجهود التي سيبذلها الفقهاء و المتكلمون و الفلاسفة و العلماء المسلمون آراء‌ المذاهب‌ الإسلامية‌ ضمن مجموعة واحدة متكاملة تـحت تـصرف المـسلمين كافة."

إنجازات«مجمع التقريب بـين المـذاهب»و الامـال المرجوة‌ منه‌:

و مع تحقيق الهدف المنشود وتأسيس«مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية»و اعتماد

طهران‌ مقرا‌ لهذا‌ المجمع فإنه أصبح من المـأمول أن تـحقق هـذه المؤسسة الإسلامية الرائدة الخطوات الرئيسية لتحقيق الآمال‌ المعقودة‌ و التـي‌ أنـشئت من أجلها ألا و هي تحقيق التقارب و التآلف و الوحدة بين مختلف الفرق‌ الإسلامية‌.حيث يتحدث حجة الإسلام و المسلمين الشيخ محمد واعـظ زاده خـراساني الأمـين العام للمجمع عن مختلف الإنجازات‌ التي‌ حققها المجمع و خططه للفـترة المستقبلية القادمة:

-تدوين النظام الداخلي للمجمع و رسم أهدافه‌ و خط‌ سيره.

-تشكيل مجمع للبحوث الفقهية لتدريب الباحثين‌ في‌ فـقه‌ المـذاهب الإسـلامية.

-تشكيل مجلس الشؤون الدولية لدراسة‌ المسائل‌ المختلفة المرتبطة بالعالم الإسلامي.

-تـشكيل مـجلس داخلي للإرتباط بأهل السنة داخل إيران.

-إعداد‌ المقدمات‌ اللازمة لا صدار مجلة باسم‌ رسالة‌ التقريب باللغة‌ العـربية‌ و سـتكون‌ بـعون اللّه منبرا لنشر آراء المفكرين‌ الكبار‌ الذين اعتنقوا فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

-إعـادة طـباعة مـجلة رسالة الإسلام‌ و هي‌ نشرة دار التقريب في القاهرة.

-تأسيس‌ بنك معلومات لتجميع المعلومات‌ اللازمة‌ بـالمذاهب الإسـلامية و أتـباعها و كتبها و كل‌ ما‌ يرتبط بها.

-التمهيد لتأسيس كلية فقه المذاهب الإسلامية الدولية لاتباع كـل مـذهب اسلامي‌ له‌ فقه مدون و يذكر أن المذاهب‌ التي‌ سيعمل‌ عليها المجمع هي‌ المذاهب‌ فـي السـنة«المـالكي و الحنفي‌ و الشافعي‌ و الحنبلي»"و الشيعة الإمامية و الإباضية و الزيدية و المذهب الظاهري لإبن حزم".

و بعد فإنه يـوجد لدينا بعض‌ المقترحات‌ الهادفة الى تحقيق التكافل و التعاضد و التضامن‌ بين‌ كافة أفراد‌ الأمة‌ الإسلامية‌ و ذلك على صـعيد التـقارب‌ بين جميع البلدان الإسلامية و هذه المقترحات هي:

أولا:إيجاد الدراسات المتعمقة التي تتناول بالتفصيل كل‌ هـذه‌ الجـوانب لتقم المسلمين بمختلف الوسائل التعليمية‌.

ثانيا‌:العمل‌ على‌ مد‌ شبكات مواصلات و اتـصالات‌ سـلكية‌ و لا سـلكية جوية و برية و بحرية بين الأقطار الإسلامية الممكنة منها في الوقت الحاضر.

ثالثا:العمل على‌ تـبادل‌ المـنافع‌ الإقـتصادية بين سائر البلدان الإسلامية،و تقديم الأفكار‌ المشجعة‌ على‌ التعاون‌ و التكافل‌ وفق‌ خـطة زمـنية مدروسة تمتد لفترة كافية.

رابعا:تشجيع الزيارات المتبادلة و البعثات لتعليمية و العلاقات الثقافية و إقامة الشركات و المؤسسات الإقـتصادية المـشتركة بين المسلمين.

خامسا:إلغاء أو تخفيف قيود السفر‌ و الإقامة بين مختلف البلدان المـسلمة.

و خـتاما،ندعو اللّه و نسأله تعالى دوام النجاح لدعوة التقريب بـين المـذاهب الإسـلامية التي تقوم بمهمة التصدي لها هذه المـؤسسة الرائدة و النـاشطة و بدعم كبير و جاد من‌ الجمهورية‌ الإسلامية الإيرانية و من خلال الرعاية التي يوليها إيـاها ولي أمـر المسلمين آية اللّه السيد على الخـامنئي دام ظـله الوارف و ذلك حتى يـعود للإسـلام مـجده و للمسلمين عزهم.

الهوامش:

(1) سورة الحشر‌ آيـة‌:10.

(2) لسـان العرب ج 1 ص 501.

(3) سورة البقرة آية:10.

(4) سورة الأعراف آية:179.

(5) سورة فصلت آية:34.

(6) تحف العـقول ص 34.

(7) سـورة المائدة آية:54‌.

(8) سورة‌ الفتح آية:29.

(9) بـحار الأنوار‌ ج 77‌ ص 167.

(10) سورة الأنبياء آيـة:92.

(11) سـورة الحجرات آية:10.

(12) سورة الأنفال آيـة:1.

(13) سـورة النساء آية:114.

(14) سورة الحجرات آية‌:9.

(15‌) الرسول الأكرم-ميزان الحكمة‌ ج 5 ص 362‌.

(16) سورة الصف آية:4.

(17) لسـان العـرب ج 9 ص 83.

المراجع:

(1) الوحدة الإسلامية أو التقريب بـين المـذاهب السـبعة.(عبد الكريم الشـيرازي(.

(2) نـظرات في الوحدة الإسلامية.(إصـدار وزارة الإرشـاد الإسلامي)تعريب عبد الكريم‌ حداد‌.

(3) نداء الوحدة الإسلامية.(إصدار المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيـرانية بـدمشق(.

(4) نظرة عامة حول الوحدة الإسلامية(الشـيخ مـحسن الحسيني).

(5) السـنة و الشـيعة ضـجة مفتعلة(الدكتور عز الدىـن ابراهيم).

(6) صحيفة اللواء«العدد 1003‌»الأربعاء‌ 22/7/1992‌.

(7) الوحدة الإسلامية رؤية حضارية(الشيخ الركابي).

(8) الوحدة الإسلامية ضرورة و هدف(آيـة اللّه السـيد على الخامنئي).

المصدر : مجلة الثقافة الإسلامية

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

السبت 2 ديسمبر 2017 - 14:15 بتوقيت مكة