خاص الكوثر_بيني وبينك
وأوضحت الدكتور سارة قصير، من خلال عرض حالة إنسانية لطالبة جامعية كانت قد تزوجت في سن الخامسة عشرة وانفصلت لاحقًا، أن هذه التجربة تركت أثرًا نفسيًا عميقًا على الفتاة، حيث عادت إلى مقاعد الدراسة مختلفة تمامًا عمّا كانت عليه قبل الطلاق، منطوية، صامتة، وحاضرة جسديًا لكنها غائبة نفسيًا، نتيجة ما تعرّضت له من قمع وخوف وتنمّر محتمل بسبب وصمة الطلاق في سن مبكرة.
وبيّنت أن الفتاة عانت من كسر في تطوّر شخصيتها الاجتماعية، إذ إن الزواج المبكر حصل في مرحلة كانت لا تزال فيها في طور الطفولة، ما أدى إلى تعطيل نموها النفسي الطبيعي، وأضافت أن الخوف من نظرة المجتمع ومن الأذى المعنوي شكّل عبئًا إضافيًا زاد من عزلتها وصمتها.
وأشارت الدكتورة سارة قصير إلى أن العلاج النفسي التقليدي كان خطوة أولى، إلا أن التحوّل الحقيقي بدأ عندما تم اعتماد العلاج بالحكاية، عبر تشجيع الفتاة على مشاركة قصتها أمام الآخرين بأسلوب منظّم ومدروس، يتيح لها التفريغ النفسي وإعادة ترتيب تجربتها بعيدًا عن الفوضى العاطفية والتفاصيل المرهِقة.
وأوضحت أن أول مرة روت فيها الفتاة قصتها انهارت وبكت على المسرح، وهو رد فعل طبيعي، وفي المرة الثانية كانت أكثر تماسكًا، أما في المرة الثالثة فقد تمكنت من سرد حكايتها بجرأة ووعي وقوة، مؤكدة لاحقًا أن حياتها ومشاعرها تغيّرت كليًا بين ما قبل تلك التجربة وما بعدها.
ولفتت الدكتورة سارة قصير إلى أن الحديث بحد ذاته يمكن أن يكون علاجًا، لكن بشرط أن يكون سردًا علاجيًا منظمًا، وليس مجرد إعادة رواية للأحداث من زاوية واحدة. وأكدت أن العلاج بالحكاية يعتمد على بناء خط درامي واضح له بداية ونهاية ومفاصل أساسية، بعيدًا عن الحشو والتفاصيل الثانوية، ما يسمح للدماغ برؤية التجربة كاملة وفهم نقطة الانكسار الأساسية التي سببت الألم.
وختمت الدكتورة سارة قصير بالتأكيد على أن تكثيف القصة واختصار سنوات من المعاناة في دقائق قليلة يساعد الفرد على استيعاب ماضيه ومعالجته بوضوح وسلاسة أكبر، مشددة على أن كثيرًا من العقد النفسية التي يحملها الإنسان تعود إلى تجارب الطفولة والمراهقة، وأن مواجهتها عبر السرد الواعي تشكّل خطوة أساسية نحو التعافي.