خاص الكوثر - إبدأ رحلتك
منذ اللحظة التي خُلق فيها الإنسان وأُسكن الأرض، كان الصراع جزءًا من تكوينه. فحين قال الله تعالى للملائكة إنه جاعل في الأرض خليفة، جاء ردّهم بسؤال استنكاري: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟"، في إشارة مبكرة إلى طبيعة الصراع البشري.
هذه الطبيعة لا تنبع من شرّ مطلق، بل من واقع بيئي محدود؛ فالأرض — رغم صغرها مقارنة بالكون — تحتوي على موارد محدودة، مما يفتح المجال أمام التنافس على البقاء. غير أن التنافس لا يعني بالضرورة الصدام، بل يمكن أن يُدار بذكاء، وهو ما يُطلق عليه "إدارة الصراع".
إقرأ أيضاً:
تُعد حادثة قابيل وهابيل نموذجًا تأسيسيًا لهذا المفهوم. فالصراع بينهما نشأ بسبب اختلاف في التعامل مع اختبار إلهي بسيط، لكن أحدهما اختار السلم وقال: "لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ". هذا الموقف يُظهر بوضوح أن إدارة الصراع لا تقوم فقط على القوة، بل على الوعي بالنتائج، وبالحفاظ على الذات والآخر والآخرة.
ومع تزايد النزاعات في العصر الحديث، يصبح تعلم هذه المهارة أكثر إلحاحًا. البرامج التوعوية والتربوية يمكن أن تساهم في تعليم الأفراد كيف يديرون خلافاتهم بطرق سلمية دون تصعيد. فبدلًا من التصفية الجسدية أو التدمير المتبادل، هناك دائمًا مساحة للتفاوض، لإعادة توزيع الأدوار، أو حتى التنازل الذكي من أجل الحفاظ على الكل.
إن جوهر هذا الطرح لا يختزل الإنسان في غرائزه، بل يراهن على إرادته الحرة وقدرته على التعلّم، لاسيما حين تصبح الحياة اليومية مليئة بـ"التماس التنافسي" الذي قد ينقلب إلى صراع. ولذلك، فإن تعليم إدارة الصراع يجب أن يكون جزءًا من الوعي الجمعي، من الأسرة إلى المدرسة، ومن الإعلام إلى السياسات العامة.