خاص الكوثر - انوار الاباء
قال سماحة السيد نذير الحسني: تعد عبارة الإمام الحسين عليه السلام "إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ" من أقوى وأصدق التعابير التي تلخص الواقع النفسي والاجتماعي للبشر في مواجهة التحديات الكبرى. أول مرة أشار الإمام إليها كانت خلال طريق خروجه من مكة، حين التقى فرزدق بن غالب، الذي سأله عن حال الناس بعده. أجاب الحسين عليه السلام الناس بأن "الأشراف" أو شيوخ العشائر أو كبار القوم، يسيطر عليهم المال والرشوة، مما يجعلهم بعيدين عن الحق، بينما "العوام" أو الناس العاديون، قلوبهم مع الحق لكن سيوفهم ضده، أي أنهم يحبون العدالة لكن لا يدافعون عنها.
وأضاف: في هذه الصورة، يرسم الإمام صورة مجتمع منقسم بين مصالح دنيوية تدفع كبار القوم إلى الخيانة، وناس عاديين يفتقرون إلى الشجاعة للدفاع عن الحق. المرة الثانية التي ذكر فيها الإمام هذه العبارة كانت في كربلاء، في خضم واقعة الطف الأليمة، حين حاصره الجيش ولم يبق له ناصر. في هذه اللحظة يؤكد على مفهوم "حفرتين في الحياة": حفرة الشهوات وحفرة الشبهات.
إقرأ أيضاً:
وتابع السيد الحسني أن حفرة الشهوات تمثل إغراءات الدنيا من المال، السلطة، والمنصب، التي تسيطر على الإنسان وتبعده عن الحق. وإن حفرة الشبهات هي ما يزرع في ذهن عوام الناس من شكوك وأوهام بهدف تفريق الناس وإضعاف الموقف، فتجعل من الصعب عليهم التمييز بين الحق والباطل.
وأكمل حديثه: يشير الإمام إلى أن معظم الناس، حتى الذين لا تهمهم الشهوات بشكل كبير، قد يقعون فريسة الشبهات الصغيرة، التي تقوض الثقة وتزرع الفتنة، وهذا ما يراه من أسباب الانقسامات والتخاذل في المجتمع. كما يشير إلى الخوارج الذين لم يكن هدفهم المال بل كانوا يسقطون تحت تأثير الشبهات التي كانت تغذي أذهانهم بالكراهية والشك، وهو أمر أشد خطراً من إغراءات الشهوات.
في النهاية، أكد السيد الحسني أن كلمات الإمام الحسين عليه السلام تقدم دعوة واضحة للوعي: أن العبودية الحقيقية ليست في المال أو السلطة، بل في الخضوع للشكوك والأوهام التي تقطع الإنسان عن الحق، وأن التغلب على حفرتي الشهوات والشبهات هو الطريق للثبات والصمود.