خاص الكوثر - احكام الاسلام
قال الشيخ قصير: أسّس لهذا المَنسَك الكبير والعظيم "الحج"، الذي يتميّز بامتلاكه بُعدين أساسيين: بُعدًا فرديًا وآخر اجتماعيًا. فعلى المستوى الفردي، يُعدّ الحج رحلةً روحيةً عميقة، يستفيد منها الإنسان إلى حدٍّ كبير، إذ يعود منها كما ولدته أمه، خاليًا من الذنوب. وفي هذه الرحلة الروحية، يمارس الحاج مختلف العبادات؛ ففي أيام الحج هناك الذكر، والصلاة، والطواف، والسعي، إلى جانب كثير من الشعائر الأخرى، كما أن في محرمات الإحرام بعدًا آخر شبيهًا بالصيام، يُمكن وصفه بأنه "صوم السلوك"، لأنه يدفع الإنسان إلى تهذيب تصرفاته وضبط نفسه، مما يجعل من الحج تجربة عبادية متكاملة على الصعيد الفردي.
اقرأ ايضاً
وتابع استاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية: لكن الحج لا يتوقف عند هذا البُعد الشخصي، بل يتجاوزه إلى البُعد الاجتماعي، وهو ما نراه جليًا في آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الحج باعتباره أول عمل عبادي جماعي في الإسلام. ومن هنا، علينا أن نعيد قراءة الدين الإسلامي كمنظومة متكاملة لا تقتصر على العلاقة الفردية بين العبد وربه، بل تتضمن بُعدًا اجتماعيًا يتجلى من خلال ممارسات جماعية كصلاة الجماعة وصلاة الجمعة، ويتدرج ليشمل بناء نظام اجتماعي شامل، يتضمن نظامًا سياسيًا وتربويًا واقتصاديًا. فالدين ليس مجموعة عبادات فردية فقط، ومن يحصره في هذا الإطار فإنه يتبنّى شكلاً من أشكال العلمانية، التي تفصل الدين عن الحياة العامة.
وختم الاستاذ اسد محمد قصير حديثه بالقول : عندما نتحدث عن السياسة أو الاقتصاد أو التربية، فإننا نتحدث عن قضايا ذات طابع اجتماعي، والدين يعالجها جميعًا من هذا المنظور. لذلك لا يمكن اعتبار الدين مجرد وسيلة لتنظيم العلاقة الفردية بين الإنسان وربه، بل هو أيضًا نظام متكامل ينظم حياة الإنسان في بعدها الجماعي، وفي هذا السياق، نجد أن الآيات القرآنية دائمًا ما تؤكد على هذين البُعدين في الحج، فهناك الآيات التي تُبرز الجانب الفردي من خلال الحديث عن المناسك والتقوى، وهناك في المقابل آيات تؤكد الجانب الاجتماعي، مثل تكرار لفظ "الناس" في سورة الحج، حيث يقول تعالى: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس". فالمخاطَب هنا هو الأمة، والرؤية المطروحة هي رؤية اجتماعية للحج، وليست فردية فقط. إن الحج في التصور القرآني يجمع بين العبادة الفردية والتجربة الجماعية، وبهذا المعنى، فهو مدرسة روحية واجتماعية شاملة.