خاص الكوثر - مكاشفات
أنا من مواليد عام 1944. نشأتُ في بيت السيد جمال الدين الخوئي رحمه الله، مباشرة في المنطقة التي كانت تُسمى "رأس أربع عقود"، وهي الآن تقع في منتصف الحرم الجديد للسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها. كانت تلك المنطقة منطقة علمائية بامتياز، حيث سكنت فيها العديد من بيوت العلماء، مثل بيت السيد الصدر رحمه الله، وبيت الشيخ علي ياسين في نهاية الزقاق، وبيت السيد الحكيم رحمه الله. كان بيت السيد الخوئي رحمه الله يقع ضمن هذه المنطقة، وكانت البيوت بسيطة وصغيرة. والدي، السيد جمال، كانت له غرفة صغيرة هناك بعد زواجه.
إقرأ أيضاً:
الجو الذي نشأنا فيه كان يتميز بالتدين الصارم، وهو تدين انتقل من السيد رحمه الله، ومن السيدة الحجية، والدة السيد جمال، أي جدتنا. كان ذلك الجو يتسم بالشدّة والصرامة والقوة. أما أجواء النجف الأشرف في تلك المرحلة فلم تكن بالمحافظة الشديدة كما قد يتخيل البعض، بل كانت الأوضاع الاقتصادية صعبة، وكان الفقر منتشراً. لم تكن الإمكانيات متوفرة لشراء اللحم أو السكر بالكميات الكافية، خاصة أنني ولدت في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. كتب المرحوم الوالد نصوصاً جميلة تصف صعوبة تحضير قدح من الشربت لتقديمه للضيوف بسبب ندرة السكر، وكان يعلق قائلاً: "لو كان حاتم الطائي حياً في هذه الفترة، لما استطاع أن يتجاوز هذا المقدار من الترحاب بالضيوف."
عندما كبرنا، استمرت الظروف الاقتصادية الصعبة، سواء في العراق أو ربما في عموم المنطقة. كان بيت السيد الخوئي يعيش أجواء خاصة أيضاً، حيث كان تناول الفاكهة ممنوعاً إلا عندما تكون ميسورة للطبقات الفقيرة. فعلى سبيل المثال، لم يكن البرتقال أو الرقي متوفراً بكثرة، وكان السيد يقول: "عندما يستطيع عامة الناس تناول هذه الفاكهة، عندها يمكننا تناولها." هذه القوانين استمرت حتى مراحل شبابنا المبكر، في سن الثالثة عشرة والرابعة عشرة، حيث كنا محدودين بالأكل والشرب في كل شيء. وفي إحدى المناسبات، كان السيد الخوئي ينظر إليّ أثناء تناول الغداء وقال لي: "ابني، أقدر أن أعيشكم عيشة مترفة وترتاحون بها كثيراً، ولكن أخاف الله."